للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحكم على صحة نسبة مؤلفات أبى حنيفة له من الأمور الصعبة فى تاريخ التراث العربى، وإن كان الرأى السائد يميل إلى أن أبا حنيفة لم يؤلف كتابا واحدا منها (٣٧) ولكن كيف يستطيع المرء أن يتصور أبا حنيفة، وهو مؤسس مذهب فى الفقه لم يؤلف كتابا قط فى حين أن أساتذته كانوا يؤلفون كتبا وأن معاصريه فى البلاد الإسلامية المختلفة كانوا يؤلفون كتبا كثيرة مبوبة. وقد وصلت بعض الأخبار من معاصريه/ حول كتبه. (٣٨) حتى إنه ليقال إن سفيان الثّورى (المتوفى ١٦١ هـ/ ٧٧٨ م) وهو صاحب مذهب مستقل قد نسخ كتاب «الرهون» لأبى حنيفة. (٣٩).

أما الأوزاعى (المتوفى ١٥٧ هـ/ ٧٧٤ م) وهو مؤسس مذهب فقهى ولم يكن يعرف أبا حنيفة حق المعرفة ولم يكن يقدره أطلعه عبد الله بن المبارك (المتوفى ١٨١ هـ/ ٧٩٧ م) على كتاب لأبى حنيفة كان عنده (٤٠).

إلّا أن عبد الله بن المبارك نفسه قد طعن فى صحة نسبه كتاب «الحيل» إلى أبى حنيفة. (٤١) وأمّا الطريقة التى كان يكتب بها أبو حنيفة كتبه فليس هناك ما يدل على أنه كان يؤلفها بطريقة تخالف معاصريه، كما رأينا فى باب الحديث. ويبدو أن أكثر كتبه التى وصلت إلينا من عمل تلاميذه ولكنه كتب- على الأقل- «الرسالة» الموجهة إلى عثمان البتى (المتوفى ١٤٣ هـ/ ٧٦٠ م) فى الدفاع عن «الإرجاء».


(٣٧) جونبول فى دائرة المعارف الإسلامية (الطبعة الأولى) ١/ ٩٦، وشاخت (الطبعة الثانية) ١/ ١٢٣.
(٣٨) تاريخ بغداد للخطيب ١٣/ ٣٤٢. سأل أبو مسلم المستملى يزيد بن هارون (فى عهد المنصور ١٣٦ هـ/ ٧٥٤ م- ١٥٨ هـ/ ٧٧٥ م): «ما تقول- يا أبا خالد- فى أبى حنيفة والنظر فى كتبه؟ قال: انظروا فيها إن كنتم تريدون أن تفقهوا، فإنى ما رأيت أحدا من الفقهاء يكره النظر فى قوله.»
(٣٩) المصدر السابق: «احتال الثورى فى كتاب الرهن حتى نسخه»
(٤٠) النص: «يا خراسانى من هذا المبتدع الذى خرج بالكوفة يكنى أبا حنيفة؟
فرجعت إلى بيتى فأقبلت على كتب أبى حنيفة فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل ... والكتاب فى يدى.
فقال: أى شئ هذا الكتاب؟ »، المصدر السابق ١٣/ ٣٣٨.
(٤١) المرجع السابق ٤٢٦ - ٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>