للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - تشديد المسلم على نفسه في عمل طاعة (١) من غير ورود الشرع بذلك (٢).

وفي المقابل يوجد التسهيل على النفس إلى حد ترك العمل المأمور به شرعاً؛ وشرور الانحلال من الدين أشد من شرور الغلو فيه ولهذا قال تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (٢٧)} النساء: ٢٧، وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} مريم: ٥٩ - ٦٠.

٤ - الاستبداد بالرأي والتعصب له وتجهيل الآخرين (٣)، وهذا التعصب المقيت قد صدهم عن الاستجابة للحق بعد وضوحه (٤)، والتعصب للرأي وتجهيل الآخرين يتنافى مع مبادئ هامة في الإسلام كالشورى والتناصح؛ وهذا المظهر جلي الوضوح عند الغلاة والجفاة.


(١) إن الغلو ليس هو الفعل فقط بل قد يكون تركا -مع أن الترك قد يكون فعلا - فترك الحلال كالنوم والأكل ونحوه نوع من أنواع الغلو، إذا كان هذا الترك على سبيل العبادة والتقرب إلى الله كما يفعل بعض الصوفية والنباتيين.
ينظر: الغلو في الدين ص (٨٤).
(٢) كالذي يجعل حبلاً يتعلق به إذا فتر عن قيام الليل، ونحوه، فإن هذا العمل غير ناتج عن عقيدة فاسدة، وإنما قد يظن المكلف أن ذلك زيادة خير. فإن صاحب هذا العمل عقيدة فاسدة فهو الغلو الاعتقادي، كحالة بعض المنتسبين إلى التصوف، ممن يعتقد أن تعذيب النفس في الطاعة مطلقاً من أفعال الخير والهدى.
(٣) ومن أمثلة ذلك: ذو الخويصرة الجهول, يقول ابن الجوزي: وآفته أنه رضي برأي نفسه, ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك اعتقاد الخوارج أنهم أعلم من علي رضي الله عنه. إن هؤلاء المساكين وقعوا أسرى لألفاظ لم يحسنوا فهمها, ولم يستمعوا لمن يجليها لهم, ويفهمهم إياها, لأن الصواب هو رأيهم وما عداه خطأ.
يقول محمد أبو زهرة: أولئك استولت عليهم ألفاظ الإيمان, ولا حكم إلا لله, والتبرؤ من الظالمين, وباسمها أباحوا دماء المسلمين وخضبوا البلاد الإسلامية بجميع الدماء وشنوا الغارة في كل مكان.
ينظر: تلبيس إبليس (ص ٩٠)، وتاريخ المذاهب الإسلامية لمحمد أبو زهرة (ص ٦١).
(٤) ناظرهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وناظرهم ابن عباس رضي الله عنه وأزالا أعذارهم, ودحضا شبهاتهم, وأقاما عليهم الحجج الدامغة, وأفحماهم بالبراهين الساطعة, فلم يستجب إلا بعضهم واندفع الكثير لاستباحة دماء المسلمين.

<<  <   >  >>