للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوق الحد المشروع، إذا فالبدع المتقابلة نتاج عن الجهل بمعرفة الله وخصائص ربوبيته؛ ومن أجل ذلك فإنها تصل في أكثر صورها إلى الشرك الأكبر (١)، وهو شرك يتعلق بذات الله - عز وجل -.

قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ (٢) - رحمه الله -: "فاعلم أن الشرك ينقسم ثلاثة أقسام بالنسبة إلى أنواع التوحيد، وكل منها قد يكون أكبر وأصغر مطلقاً، وقد يكون أكبر بالنسبة إلى ما هو أصغر منه، ويكون أصغر بالنسبة إلى ما هو أكبر منه" (٣).

قال ابن تيمية - رحمه الله -: "أما النوع الثاني فالشرك في الربوبية، فإن الرب سبحانه هو المالك المدبر، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، المعز المذل، فمن شهد أن المعطي أو المانع أو الضار أو النافع أو المعز أو المذل غيره فقد أشرك بربوبيته" (٤).

وبناءً على ما سبق فقد ضلت عدة طوائف في توحيد الربوبية، فمنهم من خرج بمفهومه عن الإسلام، ومنهم من فهمه فهماً خاطئاً، ومنهم من فهم بعض أجزائه، ويمكن تقسيم أولئك إلى طائفتين:

إحداهما: الذين جَفَوا في معنى الربوبية: إما بإنكارهم لربوبية الله مطلقاً وجحدها، أو بتعطيل الله - عز وجل - عن خصائص ربوبيته، أو جعلها لغيره مع تعطيلهم لوجوده - عز وجل -.

والطائفة الثانية: الذين بالغوا في معنى الربوبية فأثبتوها لله ولغيره فجعلوا معه شركاء في خصائص الربوبية، ولم يعطلوا الله - عز وجل - عن وجوده.

لأن أصل الشرك: إمّا التعطيل، وإمّا الإشراك، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " وأصل الشرك: إمّا التعطيل، مثل تعطيل فرعون موسى، والذي حاج إبراهيم في ربه خصم إبراهيم، والدجال مسيح الضلال خصم مسيح الهدى عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -، وإما الإشراك:


(١) قال ابن القيم - رحمه الله -: " ... البدعة قرينة الشرك في كتاب الله تعالى؛ قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٣٣)} الأعراف: ٣٣، فالإثم والبغي قرينان والشرك والبدعة قرينان". إغاثة اللهفان (١/ ٦٣).
(٢) هو: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، أحد أئمة الدعوة السلفية النجدية، محدث فقيه، من مؤلفاته: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، حاشية على المقنع في الفقه، الدلائل في عدم موالاة أهل الإشراك، توفي سنة ١٢٣٣ هـ.
ينظر: علماء نجد خلال ثمانية قرون للبسام (٢/ ٣٤١)، وعلماء الدعوة لعبد الرحمن آل الشيخ (ص ٣٧).
(٣) تيسير العزيز الحميد (ص ٤٣).
(٤) مجموع الفتاوى (١/ ٩٢).

<<  <   >  >>