للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم من المتكلمين (١)، إلاّ أنني هنا أقتصر على إبراز هذا النوع من الانحراف وأنه من جانب التفريط في توحيد الربوبية.

القول بقدم العالم من البدعة المنكرة التي أحدثها الفلاسفة المتأرجحون بين شريعة الرحمن وزندقة اليونان، تناقِض توحيد الربوبية بشكل واضح، إذ حقيقتها إنكار وجود الصانع، الخالق للكون، المتقدم عليه، ومعناه عندهم أن العالم ما زال موجوداً مع الله تعالى، ومعلولاً له، ومساوقاً له مساوقة المعلول للعلة، غير متأخر عنه في الزمان.

ويتضمن هذا القول أن الله تعالى علة تامة مستلزمة للعالم، والعالم متولد عنه تولداً لازماً (٢).

وهذا القول باطل عقلاً وشرعاً، لذلك أجمعت طوائف الملل كلها على بطلانه، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "القول بقدم العالم قول اتفق جماهير العقلاء على بطلانه، فليس أهل الملة وحدهم تبطله، بل أهل الملل كلهم، وجمهور من سواهم من المجوس وأصناف المشركين: مشركي العرب، ومشركي الهند وغيرهم من الأمم، وجماهير أساطين الفلاسفة كلهم معترفون بأن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن، بل وعامتهم معترفون بأن الله خالق كل شيء" (٣).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " ... والمشهور عن القائلين بقدم العالم أنه لا صانع له فينكرون الصانع جل جلاله ... " (٤).

وكل قول باطل لا بد له من آثار سيئة، والقول بقدم العالم لما كان من أفسد الأقوال، كانت آثاره السيئة عظيمة السوء، ومن هذه الآثار:

١ - أن الرب - عز وجل - ليس خالقاً للمحدثات، وأن المحدثات كلّها حدثت بلا محِدث ولا فاعل -وقد عُلم فساد قولهم هذا-، وهذا حقيقة قولهم بقدم العالم ولازم ذلك إنكار المعاد (٥).


(١) ينظر: درء التعارض (ج ٣، ٤، ٦، ، ٨، ٩)، ومجموع الفتاوى (ج ٦، ٩، ١٢)، ومنهاج السنة (ج ١، ٢، ٣)، والصفدية، وغيرها.
(٢) ينظر: نواقض الإيمان القولية والعملية للدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف (ص ٩٨)، وتهافت الفلاسفة للغزالي (ص ٧٤).
(٣) مجموع الفتاوى (٥/ ٥٦٥).
(٤) شرح حديث النزول (ص ١٦٠).
(٥) ينظر: جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في توحيد الربوبية (٢/ ٨٢٣ - ٨٢٤).

<<  <   >  >>