للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن أصل التعطيل ومنشأ التفريط في توحيد الأسماء والصفات، ونفي ما أثبته الله - عز وجل - لنفسه أو أثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ هو دعوى نفي التشبيه، "فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات، فجمعوا بين التمثيل والتعطيل، فمثلوا أولاً، وعطلوا آخراً، وهذا تشبيه وتمثيل منهم للمفهوم من أسمائه وصفاته، بالمفهوم من أسماء خلقه وصفاتهم، وتعطيل لما يستحقه هو سبحانه من الأسماء والصفات اللائقة بالله - عز وجل - " (١)، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الأنعام: ٩١.

وشبهة أصحاب هذا الاتجاه في نفيهم المحض لأسماء الله وصفاته أو بعضها، قائمة في مجملها على نفي التشبيه (٢)، وقالوا: إننا إذا أثبتنا هذه الأسماء الحسنى، فإننا نكون قد شبهناه بالموجودات، وقال غلاة الغلاة منهم: لا يوصف الله بالنفي ولا الإثبات؛ لأن في كل منهما تشبيها له؛ فرارا -بزعمهم- من تشبيهه بالموجودات إذا أثبتوا، أو تشبيهه بالمعدومات إذا نفوا، فكلا المسلكين قائم على زعم نفي التشبيه (٣)، وهؤلاء كلهم وقعوا من جنس التشبيه فيما هو شرٌّ مما فَرُّوا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعاتِ، والمعدومات، والجمادات؛ فراراً من تشبيهه بالأحياء بزعمهم (٤).

وإذا لم يقدروا على النفي أو التعطيل، لجأوا إلى التأويل (٥)،

قال ابن القيم - رحمه الله -: " وحقيقة الأمر أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها، فالمعيار على ما يُتأول وما لا يُتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه والقواعد التي أصلتها، فما وافقها أقروه ولم يتأولوه، وما خالفها فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه ... ولما أصَّلت الجهمية أن الله لا يتكلم ولا يُكَلِّم أحداً ولا يُرى بالأبصار ولا هو فوق عرشه مبائن لخلقه، ولا له صفة تقوم به؛ أولوا كل ما خالف ما أصلوه ... ولما أصلت الكلابية أن الله سبحانه لا يقوم به ما يتعلق بقدرته ومشيئته، وسموا ذلك حلول الحوادث؛ أولوا كل ما خالف هذا الأصل" (٦).


(١) الحموية (ص ٢٦٧ - ٢٦٨)، وينظر: مجموع الفتاوى (٥/ ٢٠٩)، ودرء التعارض (٨/ ١٣٢).
(٢) شبهتهم الرئيسية في نفيهم لما نفوه من الصفات، نفيُ حلول الحوادث والأعراض بذات الله - عز وجل -، لكي لا يشبه المخلوقين.
(٣) ينظر: مجموع الفتاوى (٦/ ٣٥)، والتدمرية (١٢ - ١٦)، وجهود شيخ الإسلام في باب أسماء الله الحسنى (ص ٨١٠).
(٤) ينظر: التدمرية (ص ١٨٣).
(٥) التأويل في أسماء الله وصفاته: هو الميل والعدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها إلى الإشراك والتعطيل والكفر.

ينظر: مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية (ص ٣٢)، المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية د. إبراهيم البريكان (ص ٣٣).
(٦) الصواعق المرسلة (١/ ٢٣٠ - ٢٣١).

<<  <   >  >>