للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان في الباطن يقرّ به" (١). كما أن هذه السورة أيضاً قد اجتمع فيها النفي والإثبات، للرد على بدعة التفريط، ممن أثبت لله إثباتاً مجملاً أو نفى عن الله نفياً منفصلاً، والرسل جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل، فأثبتوا لله صفات الكمال على وجه التفصيل ونفوا عنه صفات النقص على وجه الإجمال، على الضد من أهل البدع، لذلك كانت سورة الإخلاص دليلاً واضحاً على ذلك. قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: " والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصّل، ونفي مجمل؛ فأثبتوا له الأسماء والصفات، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات، ومن خالقهم مِن المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية؛ فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، يقولون: ليس كذا، ليس كذا، ليس كذا، فإذا أرادوا إثباته قالوا: وجود مطلق بشرط النفي، أو بشرط الإطلاق" (٢).

والله - عز وجل - لا يوصف إلا بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا الأصل العام الذي تنطلق منه جميع الأصول والقواعد في باب الأسماء والصفات، لذلك دل قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)}، على بطلان مذهب المشبهة الممثلة، فإثبات الكمال يلزم منه نفي ما يناقضه من وصف الله بخلقه الناقص.

٣ - قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} الأعراف: ١٨٠، في هذه الآية رد على طائفتين ضلتا في باب الأسماء والصفات، ففي قوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}، رد على الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذي نفوا عن الله أسماءه، وعطلوها عن معانيها وجعلوها أعلاماً محضة, وفي قوله: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ}، ردٌ على الممثلة الذين نسبوها لغير الله، وألحدوا في أسماء الله بتحريفها (٣)؛ فأثبت الله - عز وجل - لنفسه الأسماء الحسنى، وذم كل من حاد بها عن معناها. فالقسم الأول سلبوها عن الله ما سمى به نفسه والقسم الثاني صرفوها لغير الله.


(١) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (٢/ ٨٦٢ - ٨٦٣)، وينظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٥٩ - ٤٦٠)، قاعدة في الاسم والمسمى، ضمن مجموع الفتاوى (٦/ ٢٠٩)، درء تعارض العقل والنقل (٣/ ٣٦٧).
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (٢/ ٨٦٢ - ٨٦٣)، وينظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٤٥٩ - ٤٦٠)، قاعدة في الاسم والمسمى، ضمن مجموع الفتاوى (٦/ ٢٠٩)، درء تعارض العقل والنقل (٣/ ٣٦٧).
(٣) فالمشركون سموا العزى من العزيز، واللات من الله أو الإله، ومناة من المنان كما ورد في بعض الروايات، وهذا كله من الإلحاد.

<<  <   >  >>