للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - الخبر الصادق، ومن الخبر الصادق الوحي الذي يتلقاه نبي من أنبياء الله مؤيد بالمعجزات الباهرات ويبلغه عن الله (١).

قال ابن القيم - رحمه الله -: " المعلومات المعاينة التي لا تدرك إلا بالخبر أضعاف أضعاف المعلومات التي تدرك بالحس والعقل، بل لا نسبة بينها بوجه من الوجوه، ولهذا كان إدراك السمع أعم وأشمل من إدراك البصر، فإنه يدرك الأمور المعدومة والموجودة والحاضرة والغائبة، والمعلومات التي لا تدرك بالحسِّ والأمور الغائبة عن الحس نسبة المحسوس إليها كقطرة من بحر، ولا سبيل إلى العلم بها إلا بالخبر الصادق" (٢).

والإيمان بالمحسوسات فقط نداء إلى الجهل والطيش والوقوع في الحيرة والوسوسة؛ لأننا إذا أبطلنا كل العلوم عدا المحسوسات، فإننا قد أبطلنا علوماً جمة، ومعارف كثيرة (٣).

ووجود هذا العالم العجيب المحكم عند من يؤمنون بالمحسوسات فقط، يضطرهم إلى القول بالمحارَات، الوقوع في المحالات، فإنه يلزمُ حينئذٍ إمَّا القول بِقِدَمِ العالم، والقِدَمُ بنفسه هو أعظم المحارات، أو القول بحدوثه من غير مُحدِثٍ ولا مُرَجِّحٍ، وذلك من أعظم المحالات (٤).

والحقيقة أن أصل التعطيل ومنشأ التفريط هو: انحرافهم في باب الإيمان بالغيب (٥)،

الذي يتفاضل فيه الناس ويتفاوتون، لذا كان الإيمان بالغيب ركيزةً أساسيةً من ركائز الإيمان في الرسالات السماوية كلها. فقد جاءت هذه الرسالاتُ بكثير من الأمور الغيبية التي لا سبيل


(١) ينظر: الاستقامة (٢/ ٢٩)، درء التعارض (٩/ ٢١)، الأدلة والقواطع والبراهين في إبطال أصول الملحدين للسعدي (ص ١٥).
(٢) الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (٣/ ٨٧٣).
(٣) يلاحظ اتساع الفساد في هذا الباب مع ظاهرة الإلحاد الحديثة، وهي ظاهرة غزت في فترة الطفرة العلمية الحديثة مجالات مختلفة من الفكر الغربي الحديث، وإذا دخل الإلحاد إلى مجال الفكر، وأصبح موضة للمفكرين، فمن المنطقي انعدام جدوى الإيمان بقضايا الغيب الدينية كلها. ينظر: أمثلة لهذا الإنكار عند بعض العقلانيين المعاصرين في كتاب عالم الجن، لعبد الكريم عبيدات (ص ١١٨ - ١٦٩).
(٤) ينظر: العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (٤/ ٣٣).
(٥) الغيب في الإسلام هو: كل ما غاب عن حسِّ الإنسان سواءٌ بقي سرًّا مكتوما يعجز الإنسانُ عن إدراكه بحيث لا يعلمه إلا اللطيف الخبير، أو كان مما يعلمه الإنسانُ بالخبر اليقين عن الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد يعلمُ الإنسانُ بعض الغيب بتحليله الفكري أو نحو ذلك من الوسائل. (وذلك في بعض ما يمكن الوصول إليه بالوسائل المساعدة، على توسيع مدى الحواس مثل المناظير وغيرها من الأجهزة، وهذا مما يدخل في الغيب النسبي كما سنرى).

ينظر: مجموع الفتاوى (١٤/ ٥١)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١/ ١٦٣)، وعالم الغيب في الشريعة الإسلامية. د. أحمد الغنيمان (ص ٢٥ - ٣١).

<<  <   >  >>