للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن كثيراً من الفرق الإسلامية المبتدعة يصح أن يقال عنها: إنها كانت نواة للقرآنيين (١)،

فالرافضة بل والشيعة بجميع فرقها لا تقبل السنة التي رويت عن طريق الصحابة -رضي الله عنهم-، وهكذا الخوارج لا يقبلون ما صح عند أهل السنة من الأحاديث، وهكذا المعتزلة لا يقبلون من السنة إلا ما وافق مذهبهم، وظنوه مؤكدا لمنهجهم (٢).

فنبذ السنة وإظهار تعظيم القرآن الكريم فقط دعوات ظهرت منذ القِدم، تقل وتكثر بحسب ضعف وقوة أهل السنة، والخوارج أول من "ابتدعوا ترك العمل بالسنة المخالفة في زعمهم للقرآن" (٣)، وهؤلاء الخوارج وإن كانوا في الظاهر معظمين للقرآن لكنهم في الحقيقة غير معظمين له؛ وذلك لأنهم يفهمونه مجرداً عن بيان السنة النبوية، وبسبب هذا ضل الخوارج، و"صاروا يتبعون المتشابه من القرآن؛ فيتأولونه على غير معرفة بمعناه، ولا رسوخ في العلم، ولا اتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين، الذين يفهمون القرآن" (٤).

فالدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن دون السنة ليست وليدة اليوم (٥)، ولم يظهروا كمدرسة هكذا فجأة، وإنما هي ميلاد اجتماع وأخلاط لآراء العقلانيين، الذين ظنوا المخالفة بين العقل والشرع المبين، وحاولوا إبعاد النصوص عن ميادين الدنيا والدين، ومن ذلك القرآن الكريم، ولما كان متواترا ثبوته، وأن رده كفر صريح، فإنهم زعموا أنهم يعتمدون عليه، وذلك حتى يفسروا آياته حسب مشتهياتهم ومراداتهم، فتركوا لذلك السنة، وهذه فكرة عقلانية قديمة أصبحت ظاهرة في هذا العصر في كثير من العقلانيين إن لم يكن في كلهم (٦).


(١) هم: تيار إسلامي ظهر في باكستان والهند ومصر ومنشؤهم الهند وهم من المعتزلة القدرية ومؤسسهم هو عبدالله جكر الوي، يطلقون على أنفسهم "أهل القرآن" خاصة وهم لا يأخذون بالأحاديث ولا السنة الشريفة ويكتفون بالقرآن كمصدر وحيد.

وأسباب ظهور هذه الفرقة اغترار كثير من شباب المسلمين بالحضارة الغربية المدنية، واعتقاد أن سبب تخلفهم هو الإسلام! ! فأرادوا الانفلات منه فلم يروا طريقة إلا ترك السنة، وفهم القرآن على ما يريدون، وعلى ما يوافق الحضارة الغربية! ! .
ينظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة لخادم حسين بخش (ص ٢٣).
(٢) ينظر: القرآنيون وشبهاتهم حول السنة (ص ٧٨، ٨٢، ٨٨).
(٣) الرد على البكري (٢/ ٤٨٧)، وينظر: مجموع الفتاوى (٣/ ٣٥٥).
(٤) مجموع الفتاوى (١٣/ ٢١٠).
(٥) مجموع الفتاوى (١٩/ ٨٦، ٨٩).
(٦) ينظر: القرآن الكريم ومنزلته بين السلف ومخالفيهم (٢/ ١١٤١ - ١١٤٢).

<<  <   >  >>