للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأصل دين المنكرين للسنة قائم على تعظيم القرآن الكريم، ولكن هذا التعظيم إنما هو ظاهري لا حقيقي (١)، ومموه لا مُذَهَّب.

كما أن المبالغة في مسألة الإعجاز العلمي (٢)

للقرآن الكريم ولي أعناق الأدلة، منطلقة من تعظيمهم للقرآن، حيث بالغوا فيه إلى حد يخرجه عن الأصل الشرعي، فدخلوا إلى الرموز الباطنية والإشارات الصوفية ومسألة الأرقام، أو التكهن بالأحداث من خلال ربط الآيات بعضها ببعض (٣)، وكل هذا الجهد إنما هو لأجل التوفيق بين ما يسمونه علمًا، وبين ما جاء في القرآن، ولقد كان لهذه القضية سلفٌ كالفلاسفة الذين عاشوا في ظلِّ الإسلام حين أرادوا أن يوفِّقوا بين ما في القرآن وبين ما في الفلسفة مما يسمونه حقيقة (٤).

كما أن من البدع قول: إن الإعجاز واقع بجميع القرآن لا ببعضه كما هو قول بعض المعتزلة، وهو أحد الأقوال في مسألة القدْر المعجز من القرآن، فهو مردود بنص القرآن وأن التحدي جاء بسورة واحدة منه (٥).

وكل شيء ينبغي أن يأخذ قدره في البيان، فمسألة الإعجاز من أعظم مسائل الدين؛ لأن القرآن مما اتفق عليه أهل القبلة في الجملة، وأقروا بكونه أظهر معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -،


(١) لأن من الإيمان المفصل بالقرآن الإيمان بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - بغير القرآن في سنته القولية والفعلية، وفي القرآن: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} النساء: ٨٠. ينظر: مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٠٨).
(٢) تعريف الإعجاز: الإعجاز مشتق من العجز: الضعف أو عدم القدرة. والإعجاز مصدر أعجز: وهو بمعنى الفوت والسبق. والمعجزة في اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة.
وإعجاز القرآن يقصد به: إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله -أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله-.
تعريف العلم: وصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها، أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً. والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
وعليه فيعرف الإعجاز العلمي بما يلي: هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

ينظر: المفردات للراغب الأصفهاني (ص ٣٢٢، ٣٤٣)، ولسان العرب مادة عجز (٥/ ٣٧٠)، والإعجاز العلمي في القرآن والسنة تاريخه وضوابطه، د. عبد الله المصلح (ص/٣٠ - ٣٧)، وتأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تأليف الشيخ عبد المجيد الزنداني.
(٣) كما جعل بعضهم السموات السبع هي الكواكب السبع السيارة، وجعل الكرسي المجرات التي بعد هذه المنظومة الشمسية، والعرش هو كل الكون ... وغير ذلك من التخرصات.
(٤) ينظر: نقد ما يسمى بالإعجاز العلمي للقرآن (للدكتور مساعد الطيار)، ملتقى أهل التفسير.
(٥) ينظر: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (٤/ ١٧).

<<  <   >  >>