للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرد عليهم جميعاً في قوله: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} لإثبات اليوم الآخر وما سيكون فيه من حساب. كما أن في قوله: {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} أيضاً رد على المعترفين بالمعاد ولكن على غير الصفة التي جاء بها الوحي، فهم سيسألون أيضاً عن القول على الله بلا علم، وعن عدم إيمانهم باليوم الآخر كما جاءت به نصوص الكتاب والسنة.

٣ - قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} يس: ٨٢، هذا تأكيد وبيان منه - سبحانه وتعالى - بأن فعله ليس كفعل غيره، وأن قدرته ليست كقدرة مخلوقاته التي لا تفعل إلا بالكلفة والمشقة، ولا يمكنها الاستقلال بالفعل، أما هو سبحانه وتعالى فيكفي في خلقه لما يريد أن يخلقه ويكونه بقوله: {كُنْ} كما أن في هذا دليلاً واضحاً وحجة دامغة على إثبات المعاد واليوم الآخر، وعلى عدم جواز مشابهة أفعال الله بخلقه، خاصة وأن هذه الآية أتت عقب إثبات الله للمعاد من عدة أوجه (١).

فكانت رداً على منكري البعث، كما كانت رادة على الغلاة الذين أوجبوا على الله أفعالا وحظروا عنه أخرى -كمحاسبته لخلقه وإدخال المؤمن الجنة عن طريق الاستحقاق والمعاوضة، وأن يدخل العاصي النار ويخلد فيها- من باب تنزيه الله عن الظلم، حيث قاسوا الله على خلقه -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-.

٤ - قال تعالى: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤)} يونس: ٤، فاللام تعليلية؛ أي: يعيد الخلق بعد موتهم، ليجزي المحسن، ويحاسب المسيء (٢)، فإن من خلق الخلق بعلمه، ثم سلط عليهم تكاليف الأمر والنهي؛ لا بد أن يحاسبهم على ذلك.

ومن هذا الباب جاءت الآيات القرآنية مؤكدة هذا المعنى، ومنكرة على من ظن أن يترك الحكيم الخبير خلقه سدى، دون حساب، ولا جزاء، قال تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ


(١) قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)} يس: ٧٨ - ٨٣.
(٢) ينظر: التسهيل لابن جزي (٢/ ٨٩)، وتفسير القرآن العظيم (٢/ ٤٠٨).

<<  <   >  >>