للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا ثبت ذلك فيعلم أن عقوبة أهل البدع، المظهرين لبدعهم وغيرهم من المجاهرين بالفسق والفجور، تكون حسية، ومعنوية.

فالمعنوية: مثل ترك الصلاة خلفهم، وعليهم، وترك مناكحتهم، وعيادتهم وترك السلام عليهم، ومجالستهم، وعدم قبول روايتهم وشهادتهم، وغيرها من أنواع العقوبات.

أما الحسية: فهي ما كان تأثيرها مباشراً على البدن أو المال. وقد دلت عليها النصوص ودل عليها عمل السلف، وهي إما أن تكون بالقتل تارة أو بما دونه من أنواع العقوبات البدنية والمالية.

أما عقوبة المبتدع الداعية بالقتل فلها مقصدان:

أحدهما: قتله رِدةً إذا اعتقد ما يكفر به، أو صدر منه قول أو فعل مكفر وثبتت عليه الحجة بذلك (١)، دل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من بدل دينه فاقتلوه)) (٢).

الثاني: قتلهم دفعاً لفسادهم وحماية للناس من فتنتهم وشرهم، إذا لم يمكن دفع شرهم إلا بالقتل؛ ويقتل الكافر منهم وغير الكافر ما دام أنه داعية لبدعته ويخشى الافتتان به (٣).

وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن أئمة السلف أن قتلهم لبعض أهل البدع إما ردة لكفرهم، وإما لأجل إفسادهم في الأرض بقصد حماية الناس منهم قال: " والأئمة الذين أمروا بقتل هؤلاء الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة ويقولون: القرآن مخلوق، ونحو ذلك، قيل: إنهم أمروا بقتلهم لكفرهم، وقيل: لأنهم إذا دعوا الناس إلى بدعتهم أضلوا الناس، فقتلوا لأجل الفساد في الأرض وحفظاً لدين الناس أن يضلوهم" (٤).


(١) كمن سب الله تعالى أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو استخف بالقرآن، أو جحد شيئاً منه كما عليه بعض الزنادقة والباطنية وأصحاب وحدة الوجود والحلولية، وملاحدة الفلاسفة ومن في حكمهم.
ينظر: الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية (ص ١٥٣)، الإجماع لابن المنذر (ص ١٥٣)، السنة للخلال (١/ ٥٣٢)، الرد على الجهمية (ص ١٤)، فضائح الباطنية للغزالي (ص ١٥٦).
(٢) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب لا يعذب بعذاب الله برقم (٣٠١٧).
(٣) كما قتل السلف جهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدري وغيرهم. ... ينظر: مجموع الفتاوى (٣٥/ ٤١٤).
(٤) مجموع الفتاوى (١٢/ ٥٢٤).

<<  <   >  >>