للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالقول بالتحليف في غاية البطلان، وهو مستلزم لما ذكرناه من المحاذير، ولا سيما إن كان قد فعل شيئًا من ذلك ثم تاب منه، ففي إلزامه التحليف تعريضه لهتيكة نفسه، أو إهدار عرضه. ولهذا كان الصواب قول أبي حنيفة (١): إن البكر إذا زالت بكارتها بالزنا فإذنها الصمات؛ لأنا لو (٢) اشترطنا نطقها لكنا قد ألزمناها بفضيحة نفسها وهتك عرضها، بل إذا اكتفي من البكر بالصمات لحيائها فلأن يكتفى من هذه بالصمات بطريق الأولى؛ لأن حياءها من الاطلاع على زناها أعظم بكثير من حيائها (٣) من كلمة "نعم" التي (٤) لا تذم بها ولا تعاب، ولا سيما إن كانت قد أكرهت على الزنا، بل الاكتفاء من هذه بالصمات أولى من الاكتفاء به من البكر؛ فهذا من محاسن الشريعة وكمالها.

وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذْنُ البِكْر الصمَاتُ، وإِذن الثَّيِّبِ الكَلَامُ" (٥).

المراد به: الثيب التي قد علم أَهلها والنَّاس أنَّها ثيب، فَلا تستحيي من ذلك، ولهذا لو زالت بكارتها (٦) بإصبع أو وثبة لم تدخل في لفظِ


(١) انظر: تبيين الحقائق (٢/ ١٠٢)، الفتاوى الكبرى (٣/ ١٤٢).
(٢) في "ب": "لا بل لو".
(٣) "من الاطلاع على زناها أعظم بكثير من حيائها" ساقط من "ب".
(٤) وفي "أ": "إلى من".
(٥) رواه البخاري (٩/ ٩٨) رقم (٥١٣٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "لا تنكح الأيم حتَّى تستأمر ولا تنكح البكر حتَّى تستأذن"، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها، قال: "أن تسكت". ولم أجد اللفظ الَّذي ذكره المؤلِّف ورواه البيهقي (٧/ ١٩٩) بلفظ: "الثيب تعرب عن نفسها، والبكر رضاها صمتها".
(٦) وفي "ب" و"جـ": "ثيوبتها".