للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك إذا قبلنا قوله وحده: جاز ذلك، وإن جعلناه شاهدًا، كما نقبل قول القاسم والخارص والمقوم والطبيب ونحوهم وحده.

ومنهم من يبني الخلاف على كونه شاهدًا أو مخبرًا، فإن جعلناه مخبرًا اكتفي بخبره وحده، كالخبر عن الأمور الدينية، وإن جعلناه شاهدًا لم نكتف بشهادته وحده (١)، وهذا أيضًا ضعيف، فإنَّ الشاهد مخبر، والمخبر شاهد، وكل من شهد بشيء فقد أخبر به، والشريعة لم تفرق بين ذلك أصلًا، وإنَّما هذا على أصل من اشترط في قبول الشهادة لفظ "الشهادة" دون مجرد الإخبار، وقد تقدم بيان ضعف ذلك (٢)، وأنَّه لا دليل عليه، بل الأدلة كثيرة - من الكتاب والسنة - تدلُّ على خلافه.

والقضايا التي رويت في القافة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بعده ليس في قضية واحدة منها أنَّهم قالوا للقائف: تلفظ بلفظة "أشهد أنَّه ابنه" ولا تلفظ بذلك القائف أصلًا، وإنَّما وقع الاعتماد على مجرد خبره، وهو شهادة منه، وهذا بيِّن لمن تأمله، ونصوص أحمد لا تشعر بهذا البناء الَّذي ذكروه بوجه، وإنَّما المتأخرون يتصرفون في نصوص الأئمة ويبنونها على ما لم يخطر لأصحابها ببال، ولا جرى لهم في مقال،


(١) انظر: الأم (٦/ ٣٤٥)، مغني المحتاج (٤/ ٣٨٩)، نهاية المحتاج (٨/ ٣٧٥)، المنتقى (٥/ ٥٣٣)، البيان والتحصيل (١٠/ ١٢٦)، المغني (٨/ ٣٧٦)، الفروع (٥/ ٥٣٣)، تفسير القرطبي (٥/ ٢١٣)، الإنصاف (١٦/ ٣٥٥).
(٢) ص (٥٣٩).