للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُزابَنة في "الموطأ" (١) تفسيرًا يوقَفُ به على المرادِ من مَذهَبِه في ذلك، وبيَّنه بيانًا شافيًا يُغني عن القول فيه، فقال: كلُّ شيءٍ من الجُزاف لا يُعلمُ (٢) كَيلُه ولا وَزنُه ولا عدَدُه، فلا يجوزُ ابتياعُه بشيءٍ منَ الكَيْلِ أو الوَزْنِ أو العَدَد. يعني من صِنفِه.

ثم شرَحَ ذلك بكلام معناه: كرجل قال لرجل له تمرٌ في رؤوسِ شَجَرِه، أو صُبرَةٌ من طعام أو غيره؛ من نَوًى، أو عُصْفُر (٣)، أو بِزْرِ كَتّان، أو حَبِّ بان (٤)، أو زَيتُون، أو نحو ذلك: أنا آخُذُ زَيتونَك بكذا وكذا ربُعًا أو رِطلًا من زَيتٍ أعصِرُها، فما نقَص فعَليَّ، وما زاد فلي. وكذلك حَبُّ البانِ أو السِّمْسِم بكذا وكذا رِطْلًا من البانِ أو دُهنِ الجُلجُلان، أو كَرْمَكَ بكذا وكذا من الزَّبيبِ كيلًا معلومًا، ما زادَ فلي، وما نقص فعليَّ. وكذلك صُبَرُ العُصفُرِ أو الطعام وما أشبهَ هذا كلَّه.

قال مالكٌ: فليسَ هذا ببيع، ولكنَّه من المخاطَرَةِ والغررِ والقمار، فيَضمَنُ له ما سُمِّيَ منَ الكَيلِ أو الوزنِ أو العددِ على أنَّ له ما زاد، وعليه ما نَقص، فهذا غَرَرٌ ومُخاطَرَة.

وعندَ مالكٍ أنّه كما لم يَجُزْ أن يقولَ له: أنا أضمَنُ لك من كَرْمِكَ كذا وكذا منَ الزَّبيب معلومًا، ومن زَيتونِكَ كذا وكذا من الزيتِ مَعْلومًا، ومن صُبرَتِك في القُطنِ أو العُصفُرِ أو الطعام كذا وكذا وَزنًا أو كَيلًا معلومًا. فكذلك


(١) الموطأ ٢/ ١٥٠ (١٨٣١).
(٢) في الموطا: لا الذي لا يعلم".
(٣) العُصْفُر: نبات معروف، وأكثر ما يستعمل في التوابل، وقال ابن سيده في المحكم ٢/ ٤١٣: "هذا الذي يُصبَغُ به، منه ريفيٌّ، ومنه برِّيُّ، وكلاهما ينبتُ بأرض العرب".
(٤) البان: شجرٌ معروف، واحدته بانة، والحبِّ ثمرِه دُهنٌ طيِّبٌ. تاج العروس (بون).

<<  <  ج: ص:  >  >>