للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: لم يختلِفْ قولُ مالكٍ أنه لا يجوزُ شراءُ السِّمْسِم أو الزَّيتونِ على أنَّ على البائع عصرَه؛ قال مالك (١): لأنه إنّما اشتَرى منه ما يَخرُجُ من زَيته ودُهْنِه.

وأجازَ بيعَ القمح على أنَّ على البائع طَحْنَه (٢).

قال ابنُ القاسم (٣): قال لي مالك: فيه مغمزٌ وأرجو أن يكونَ خفيفًا. وقال إسماعيل: كأنَّ مالكًا كان عندَه ما يخرُجُ من القمح معلومًا لا يتفاوتُ إلّا قريبًا؛ فأخرَجَه من باب المُزابَنة، وجعَلَه من باب بيع وإجارة، كمَنِ ابتاعَ من رَجل ثوبًا على أن يَخيطَه له.

قال أبو عُمر: قد أوْرَدْنا من أصُول مَذْهَبِ مالكٍ في المُزابَنةِ ما يُوقَفُ به على المُرادِ والبُغْيَة، واللهُ أعلم.

وأما الشّافعيُّ فقال (٤): جِماعُ المُزابَنةِ أن يُنظرَ كلُّ ما عُقِدَ بَيْعُه وفي الفَضْل في بَعضِه ببعض يدًا بيدٍ ربًا، فلا يجوزُ منه شيءٌ يُعرَفُ كَيْلُه بشيءٍ منه جُزافًا، ولا جُزافًا بجُزافٍ من صِنْفِه. وأمّا أن يقول: أضمنُ لكَ صُبْرَتَك هذه بعشْرين صاعًا؛ فما زادَ فلي، وما نَقصَ فعليَّ تمامُها. فهذا من القِمارِ والمُخاطَرَة، وليسَ من المُزابَنة.

قال أبو عُمر: ما قدَّمناه عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، وابنِ عُمر، وجابرٍ في تفسيرِ المُزابَنة يَشهَدُ لِمَا قالَه الشَّافعيُّ، وهو الذي تدُلُّ عليه الآثارُ المرفوعةُ في ذلك.


(١) وعلَّل ذلك مالكٌ فيما نقل عنه ابن القاسم في المدوّنة ٣/ ٣٢٠: "إنّما هذا اشترى ما يخرج من زيتهِ، والذي يخرج لا يعرفه" قال ابن القاسم: "فردَّدْتُه عليه عامًا بعدَ عامٍ فكلُّ ذلك يكرَهُه ولا يقفُ فيه، وقال: لا خيرَ فيه".
(٢) المدونة ٣/ ٣٢٠.
(٣) المدونة ٣/ ٣٢٠.
(٤) في الأم ٣/ ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>