للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروَى مالكٌ (١)، عن داودَ بنِ الحُصَيْن، أنّه سَمعَ سعيدَ بنَ المُسيِّب يقول: كانَ من مَيْسرِ أهل الجاهليةِ بَيعُ اللَّحم بالشَّاةِ والشَّاتَيْن. فأخبرَ سعيدُ بنُ المُسيِّب أنَّ ذلك مَيْسِر، والمَيْسِرُ القِمارُ، فدخلَ في معنى المُزابَنة.

قال أبو عُمر (٢): من أحسنِ ما رُويَ في تفسيرِ المُزابنةِ وأرفعِه ما ذكرناه ممّا رواهُ حَمّادُ بنُ سَلَمة، عن عَمْرِو بنِ دينار، عن ابنِ عمر.

قال أبو عُمر: فهذا جليلٌ من الصَّحابةِ قد فسَّرَ المُزابَنةَ بنحوِ ما فسَّرَها مالكٌ في "مُوَطَّئِه" سواء.

فأمّا المُحاقَلَةُ فللعلماءِ فيها ثلاثةُ أقوال؛ منهم مَن قال: معناها ما جاء في هذا الحديثِ من كِراءِ الأرض بالحِنْطَة. قالوا: وفي معنى كِراءِ الأرضِ بالحِنْطَةِ في تأويل هذا الحديث، كراؤُها بجَميع أنواع الطَّعام على اختلافِ أنواعِه. قالوا: فلا يجوزُ كِراءُ الأرضِ بشيءٍ من الطَّعام، سواءٌ كان ممّا يخرُجُ منها وُيزْرَع فيها، أو من غيرِ ذلك من سائرِ صُنُوفِ الطَّعام المَأكول كلِّه والمَشرُوب، نحوِ العَسَل والزَّيْت والسَّمْن، وما أشبَه ذلك من كلِّ ما يُؤكلُ وُيشربُ، لأنَّ ذلك عندَهم في معنى بَيع الطَّعام بالطَّعام نَساءً، وكذلك لا يجوزُ كِراءُ الأرضِ عندَهم بشيءٍ ممّا يخرُجُ منها وإن لم يكنْ طَعامًا مأكُولًا ولا مَشرُوبًا سِوَى الخَشَبِ والقَصَبِ والحَطَب؛ لأنه عندَهم في معنى المُزابَنة، وأصلُه عندَهم النَّهيُ عن كِراءِ الأرضِ بالحِنْطَة. هذا هو المحفوظُ عن مالكٍ وأصحابه (٣). وقد ذكَر ابنُ سُحْنونٍ عن المُغير بنِ عبدِ الرحمنِ المَخزُوميِّ المَدَنيِّ، أنه لا بأسَ بكراءِ الأرضِ بطعام لا يخرُجُ منها.


(١) الموطأ ٢/ ١٨٤ (١٩١٣).
(٢) هذه الفقرة والتي تليها لم تردا في ق ونسخ النشرة الأولى.
(٣) ينظر: المدوّنة ٣/ ٥٤٧، والأوسط لابن المنذر ١١/ ٨٣، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>