للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المُعْرِي وغيرُه في ذلك عندَهم سَواء. ومن حُجَّةِ مَن ذَهَب هذا المَذْهبَ ما رواه حَمّادُ بنُ سَلَمة، عن أيوبَ وعُبيدِ الله بنِ عُمرَ جميعًا، عن نافع، عن ابنِ عُمر، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهى البائعَ والمُشتَريَ عن المُزابَنة.

قال ابنُ عمر: وقال زيدُ بنُ ثابت: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أرْخَص في العَرايا؛ النَّخْلةِ والنَّخْلَتيْن يُوهَبان للرجل، فيبيعُها بخَرْصِها تمرًا (١).

قالوا: فقد أطلَقَ في هذا الحديث بَيعَها بخرصِها تَمرًا، ولم يقل: من المُعْرِي ولا من غيره. فدَلَّ على أنَّ الرُّخْصةَ في ذلك قُصِدَ بها المُعْرَى المسكينُ لحاجتِه. قالوا: وهو الصَّحيحُ في النظَر؛ لأنَّ المُعْرَى قد ملَك ما وُهِب له، فجائزٌ له أن يَبِيعَه من المُعْرِي ومن غيرِه إذْ أرْخَصَتْ له السُّنّةُ في ذلك، وخَصَّتْه من معنى المُزابَنةِ في المقدارِ المذكورِ في حديثِ هذا الباب. ذهَب إلى هذا جماعةٌ من العلماء؛ منهم أحمدُ بنُ حَنْبل (٢). وسنَذكُرُ قولَه في هذا الباب بعدَ ذكر قولِ مالكٍ والشافعيِّ إن شاء الله.

وذهَب جماعةٌ من أهل العلم في العَرايا إلى أنْ جعَلوا الرُّخصَةَ الوارِدةَ فيها مَوقوفَةً على المُعْرِي والمُعْرَى لا غير، فقالوا: لا يجوزُ بيعُ الرُّطَب بالتَّمْرِ بوجهٍ من الوُجوه إلّا لمن أُعْرِي نَخْلًا يأكُلُ ثمرَها رُطَبًا، ثم بَدا له أن يَبِيعَها بالتَّمْر، فإنّه أرْخَصَ للمُعْرِي أنْ يشتَرَيها من المُعْرَى إذا كان ذلك خَرْصَ خمسةِ أوْسُقٍ أو دونَها، لما يدْخُلُ عليه من الضَّرر في دُخُولِ غيرِه عليه حائِطَه، ولأنَّ ذلك من بابِ المعروف، يَكْفِيه فيه مُؤْنةَ السَّقْي، ولا يجوزُ ذلك لغيرِ المُعْرِي؛


(١) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ١٣٤ (٥٦١٩)، وفي أحكام القرآن (٧٢٦)، والطبراني في الكبير ٥/ ١١٢ (٤٧٧٠) من طريقين عن حمّاد بن سلمة، به. واقتصر فيه الطبراني على رواية حديث زيد بن ثابت، وإسناده صحيح.
(٢) ينظر: المغني لابن قدامة ٤/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>