للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختارَتِ المُقامَ في عصمتِه لزِمَها ذلك، ولم يكنْ لها فِراقُه بعدُ، وإن اختَارَتْ مُفارقتَه فذلك لها، هذا ما لا خِلافَ عَلِمتُه فيه.

واختَلَف الفقهاءُ في وقتِ خِيارِ الأمَةِ إذا أُعتِقت؛ فقال أبو حنيفةَ وأصحابُه وسائرُ العراقيِّين: إذا عَلِمت بالعِتقِ، وبان لها الخِيارُ، فخِيارُها على المجلس (١). وقال الثوريُّ وأبو حنيفة والأوزاعيُّ: إذا جامعها بعد العِلْم فلا خيار لها. قال الثوري: فإن ادَّعَت الجهالة حُلِّفَت، ثم يكون لها الخيار (٢).

وقال مالكٌ وأصحابُه، والشافعيُّ ومَن سلَك سبيلَه، والأوزاعيُّ: لها الخِيارُ ما لم يَمَسَّها زَوجُها. قال الشافعيُّ: لا أعلَمُ في ذلك وَقتًا إلّا ما قالَته حفصةُ رضي اللهُ عنها (٣).

قال أبو عمر: رُوِي عن حفصةَ وعبدِ الله ابنَيْ عمرَ رضي اللهُ عنهما أنَّ للأمَةِ الخِيارَ إذا أُعتِقت ما لم يَمسَسْها زَوجُها (٤). قال مالكٌ: فإن مَسَّها زوجُها فادَّعت أنَّها جَهِلت أنَّ لها الخيارَ، فإنَّها تُتَّهمُ ولا تُصَدَّقُ بما ادَّعت مِن الجهالةِ، ولا خِيارَ لها بعدَ أن يَمَسَّها. هذا قولُه في "الموطَّأ" (٥). وجملةُ قولِه وقولِ أصحابِه: لا يَنقَطِعُ خِيارُها إذا أُعتِقت حتى يطأَها زوجُها بعدَ عِلمِها بعِتقِها، أو تُوقَفَ فتختارَ، ولا تُوقَفُ بعدَ المسيسِ، ولا يَمينَ عليها.


(١) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٣٦٤، والمبسوط للسرخسي ٧/ ٧٨.
(٢) مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٣٦٤، والأوسط لابن المنذر ٨/ ٤٤٠.
(٣) ينظر: المدوّنة ٢/ ٨٥ وقول مالكٍ فيها: "لها الخِيارُ ما لم يطأْها من بعدِ ما علمت".
والأمّ للشافعي ٥/ ١٣١ وقوله فيه: "لها الخِيارُ ما لم يمسَّها، فإذا مسَّها فلا خِيار لها" فيما رواه عن مالك عن نافع عن ابن عمر من قوله. وهو في الموطأ ٢/ ٧٢ (١٦٢٦). وينظر ما نقل عن الأوزاعي في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٣٦٤.
(٤) أخرج ذلك مالكٌ في الموطّأ ٢/ ٧٢ (٢٦٢٦) عن نافع عن عبد الله بن عمر، وسيأتي في موضعه. وما رُوي عن حفصة سيأتي قريبًا أثناء هذا الشرح.
(٥) ٢/ ٧٢ (١٦٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>