للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعيُّ: إن أصابها زوجُها فادَّعَتِ الجهالةَ، ففيها قولان؛ أحَدُهما: لا خِيارَ لها. والآخرُ: أنَّ لها الخيارَ وتُحَلَّفُ، وهو أحبُّ إلينا. وقال الأوزاعيُّ: إذا لم تَعْلَمْ أنَّ لها الخيارَ حتى غَشِيَها زوجُها ثم عَلِمَت، فلها الخيارُ (١).

وروَى مالكٌ (٢)، عن ابنِ شهابٍ، عن عروةَ بنِ الزبيرِ، أنَّ مولاةً لبني عديٍّ يُقالُ لها: زَبْرَاءُ، أخبَرته أنّها كانت تحَتَ عبدٍ، وهي أمَةٌ يَومَئذٍ، فعَتَقتْ. قالت: فأرسَلت إليَّ حفصةُ زوجُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فدعَتْني، فقالت: إنِّي مُخْبِرَتُكِ خبرًا، ولا أُحبُّ أن تصنَعي شيئًا، إنَّ أمْرَكِ بيَدِكِ ما لم يَمَسَّكِ زوجُكِ، فإن مسَّكِ فليس لكِ من الأمرِ شيءٌ. قالت: فقلتُ: هو الطلاقُ، ثم الطلاقُ، ثم الطلاقُ، ففارَقَته ثلاثًا.

ومالكٌ (٣)، عن نافع، عن ابنِ عمرَ، أنَّه كان يقولُ في الأمَةِ تكونُ تحت العبدِ فتَعتِقُ: إنَّ لها الخيارَ ما لم يَمَسَّها.

قال أبو عمر: لا أعلَمُ لابنِ عمرَ وحَفصةَ في ذلك مُخالفًا من الصحابةِ، وقد رُوِيَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قصةِ بَريرةَ من حديثِ ابنِ عباسٍ ما فيه دليلٌ واضحٌ على ما ذهَبنا إليه.

وروَى سعيدُ بنُ منصور (٤)، عن هُشيم، عن خالدٍ، عن عكرمةَ، عن ابنِ عباس، قال: لما خُيِّرت بَرِيرةُ رأيتُ زوجَها يَتبَعُها في سِكَكِ المدينةِ ودُموعُه تسيلُ على لحيتِه، فكَلَّم العباسُ له رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يطلُبَ إليها، فقال لها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:


(١) ينظر: الأم ٥/ ١٣١، والمجموع شرح المهذّب للنووي ١٦/ ٢٩١، ٢٩٢.
(٢) الموطّأ ٢/ ٧٢ (١٦٢٨).
(٣) في الموطّا ٢/ ٧٢ (١٦٢٦).
(٤) في سننه برقم (١٢٥٧). وفي آخره عنده: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعبّاس: ألا تعجب من شِدَّة بُغضِ بريرة لزوجها، ومن شدَّة حُبِّ زوجها لها". وإسناده صحيح. هشيم: هو ابن بشير الواسطي، وخالد: هو ابن مِهْران الحذّاء. وعكرمة: هو مولى ابن عبّاس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>