للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"زوجُكِ وأبو ولَدِك". فقالت: أتأمُرُني (١) يا رسولَ الله؟ فقال: "إنّما أنا شافِعٌ". فقالت: إن كنتَ شافعًا فلا حاجةَ لي فيه. واختارَت نفسَها، وكان يقالُ له: مُغيثٌ. وكان عبدًا لآلِ المغير من بني مخزوم.

ففي هذا الحديث مرورُها في السِّكك، ومراجَعتُها النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ولم يُبطِلْ ذلك خِيارَها، فبَطَل قولُ مَن قال: إنَّ خِيارَها إنَّما هو ما دامَا في المجلس (٢).

واختَلَف الفقهاءُ أيضًا في فُرْقَةِ المعتَقةِ إذا اختارَت فِراقَ زوجِها؛ فقال مالكٌ والأوزاعيُّ، والليثُ بنُ سعدٍ: هو طلاقٌ بائنٌ. قال مالكٌ: هي تَطليقةٌ بائنةٌ إلا أن تُطلِّقَ نفسَها ثلاثًا، فإن طلَّقَت نفسَها ثلاثًا فذلك لها، ولها أنْ تُطلِّقَ نفسَها ما شاءَت من الطلاق، فإن طلَّقَت نفسَها واحدةً فهي بائنة (٣).

قال أبو عمر: حديثُ ابن شهابٍ، عن عروةَ، في قصةِ زبراءَ، دليلٌ على صحَّةِ ما قُلنا وما ذهَب إليه مالكٌ في أنَّ لها أن تُوقِعَ من الطلاقِ ما شاءَت.

وقد قال قومٌ مِن العلماء: إنَّها لا تُطلِّقُ نفسَها إلا واحدةً بائنةً. وقد رُوي ذلك عن مالكٍ، وقال به بعضُ أصحابِه. والمشهورُ عنه وعن جُملةِ أصحابِه ما قدَّمنا من مذهبِه على حديثِ زَبْراءَ (٤)، وهو أصلٌ لا يُدْفَعُ؛ لأنّه لم يَبلُغْنا أنَّ


(١) في السنن: "أتأمرني به".
(٢) والإشارة بذلك إلى قول أبي حنيفة وأصحابه. ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٣٦٤.
(٣) ينظر: المدوّنة ٢/ ٨٤. والمغني لابن قدامة ٧/ ١٩٨ حيث أضاف نسبة هذا القول للأوزاعي أيضًا.
(٤) قال ابن القاسم بعد أن أورد أثر ابن شهاب في زبراء: "فبهذا الأثر أخذَ مالكٌ؛ مرّةً يقول: ليس لها أن تختار نفسَها إذا أُعتِقت وهي تحت العبد إلّا واحدةً، وتكون تلك الواحدة بائنةً.
قال سحنون: وهو قول أكثر الرُّواة: أنّه ليس لها أن تُطلِّق نفسَها إلّا واحدةً" المدوّنة ٢/ ١٢١.
وقال ابن القاسم في موضع آخر من المدوّنة ٢/ ٨٥: عن مالكٍ "كان مرَّة يقول: ليس لها أن تُطلِّق نفسها أكثر من واحدةٍ، وكان يقول: خِيارُها واحدةٌ، ثم رجع إلى القول الذي أخبرتُكَ".
وهذا الأخير موافقٌ لما ذكره عنه المصنِّف هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>