أحدًا من الصحابةِ أنكَر عليها ذلك، وقد كان كثير من الصحابةِ في حياةِ حفصةَ مُتوافِرينَ، وفي القياس، مَن كان له أن يُوقِعَ طلقةً كان له أن يُوقِعَ ثلاثًا.
قال أبو عمر: وقد احتَجَّ بهذا الحديثِ من أصحابِنا مَن أجاز لها أن تُوقِعَ الثلاثَ تَطليقاتٍ مجتَمِعات في اختيارِها نفسَها. وليس ذلك على أصلِ مذهبِ مالكٍ من وجهين:
أحدُهما: أنَّه لا يَجِبُ لأحدٍ إيقاعُ الثلاثِ مجُتمِعاتٍ.
والثاني: أنَّه طلاقٌ متعلِّقٌ بعبدٍ لا مَدخلَ فيه للثلاثِ؛ لأنَّ الطَّلاقَ مَنُوطٌ بأحوالِ الرجالِ لا بالنساءِ، وطلاقُ العبدِ إنّما هو تَطليقتان.
وقد حكَى أبو الفرج (١) أنَّ مالكًا لا يُجيزُ لها أن تُوقِعَ إلا واحدةً، فتكونُ بائنةً، أو تَطلِيقتين، فلا تَحِلُّ له إلا بعدَ زوج، وهو أصلُ مالكٍ. ورُوِيَ عن بعضِ العلماءِ أنَّها طلقةٌ رجعيّةٌ.
قال الأوزاعيُّ: لو أُعتِق زوجُها في عِدَّتها، فإنَّ بعضَ شُيوخِنا يقولُ: هو أملَكُ بها، وبعضُهم يقولُ: هي بائنةٌ. وقد روَى ابنُ نافع، عن مالكٍ، أنَّ للعبدِ الرجعةَ إن عتَق. قال ابنُ نافع: ولا أرَى ذلك، ولا رَجْعَةَ له وإن عتَق. وروَى عيسى، عن ابنِ القاسم، في الأمةِ تَعتِقُ وهي حائضٌ، قال: لا تَختارُ نفسَها حتى تَطهُرَ. قال: وإن عتَق زوجُها قبلَ أن تَطهُرَ، فلا أرَى ذلك يَقطَعُ خِيارَها؛ لأنّه قد وجَب لها الخيارُ، وإنَّما منعَها منه الحيضُ. وقال ابنُ عبدوسٍ: لا خيارَ لها إذا أُعتِقَ قبلَ أنْ تَطهُرَ وتَختارَ نفسَها.
(١) هو عُمر بن محمد بن عمرو اللَّيثيُّ، أبو الفرج المالكيّ البغدادي، القاضي، فقيه متقدِّم، له من الكتب كتاب الحاوي في الفقه، وكتاب اللُّمع في أصول الفقه، توفي سنة ثلاثين، وقيل: إحدى وثلاثين وثلاث مئة. (ينظر: الفهرست للنديم ص ٢٤٩ والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون اليعمري ٢/ ١٢٧).