للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عمر: لا معنَى لقول من قال: إنَّها طلقةٌ رجعيّةٌ؛ لأنَّ زوجَها لو ملَك رَجعَتَها لم يكنْ لاختيارِها معنًى، وأيُّ شيءٍ كان يُفيدُها فِرارُها عن زوجِها ومُفارقتُها إيّاه، بتطليقِها نفسَها وهو يَملِكُ رجعتَها؟ هذا ما لا معنَى له؛ لأنَّها (١) إنَّما اختارَت نَفسَها لتُخلِّصَها من عِصمتِه، فلو ملَك رَجعَتَها لم تَتَخلَّصْ منه، وإذا استحال ذلك فمعلومٌ أنَّ الطَّلاقَ إذا وقَع بائنًا لم يكنْ رجعيًّا بعدُ، وكيف يكونُ بائنًا عندَ وُقوعِه وتكونُ لزوجِها رَجعَتُها إن عتَق؟ هذا مُحالٌ. ومثلُه في الضَّعفِ قولُ ابنِ القاسم: إنَّ لها الخيارَ وزوجُها قد أُعتِق. وكيف يكونُ ذلك والعلَّةُ الموجبةُ لها الاختيارَ قد ارتفعَت؟ ألا ترَى أنَّها لو أُعتقَتْ تحتَ حُرٍّ لم يكنْ لها عندَه وعندَ جمهورِ أهل المدينةِ خيارٌ؟ فكذلك إذا لم تَختَرْ نَفسَها حتى عَتَق، فلا خيارَ لها؛ لأنَّ الرِّقَّ قد زالَ.

وقال الثوريُّ، والحسنُ بنُ حيٍّ، وأبو حنيفةَ وأصحابُه، والشافعيُّ وأصحابُه: إنِ اختارَتِ الأمةُ المعتَقَةُ نفسَها فهو فسخٌ بغيرِ طلاقٍ (٢)، وهو (٣) قولُ أحمدَ وإسحاقَ.

وقال ابنُ أبي أُويس: سُئل مالكٌ عن الجارية نصفُها حُرٌّ، ونصفُها مملوكٌ يخطبها العبدُ، فتأبى أن تتزوَّجه فيسألُها سيدُها ذلك فتطاوعُه، ثم تُعتق بعد ذلك، أترى لها الخِيارَ؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك لها، فقيل: إنّه لم يكن لها أن تأبى التزويج ولا يكرهها سيدها على ذلك، قال: بلى، قيل له: فكيف يكون لها الخِيارُ؟ قال: هي في حالها حالُ أمَةٍ، وإنما ذلك بمنزلة ما لو أنَّ أمةً ليس فيها عِتقٌ طَلبت إلى سيِّدها أن يُزوِّجَها عبدًا ففعل، فزوَّجها: فلها الخِيارُ، فقيل له: إنّ هذه لو شاءت لم تفعلْ والأخرى لم يكن لها أن تأبى، وهذه قد طاوعَتْ ولم يكن ليُجبرها على النِّكاح، قال: لكنّها في حالها كلِّها في حدودها وكشْفِ شعْرِها كالأَمةِ، فما أرى إلّا أن يكون لها الخيارُ.


(١) من هنا إلى قوله: "تتخلص منه" سقط من ط.
(٢) ينظر: الأمّ للشافعي ٥/ ٤٦، ومختصر اختلاف العلماء ٢/ ٣٦٥.
(٣) من هنا وإلى نهاية الفقرة الآتية لم يرد في ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>