للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن سعيدِ بنِ المسيِّبِ مثلَه (١).

واحتَجُّوا أيضًا بما رُوِي في بعض الآثارِ في قصةِ بَريرةَ، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها: "قد مَلَكتِ نفسَكِ فاختاري" (٢).

قالوا: فكلُّ مَن مَلَكت نفسَها اختارَت، وسواءٌ كانت تحتَ حُرٍّ أو عبدٍ. وادَّعَوا أنَّ قولَ مَن قال: إنَّ زوجَ بَريرةَ كان حُرًّا أوْلَى؛ لأنَّ الرِّقَّ ظاهرٌ بزعمِهم، والحُرِّيةَ طارئةٌ، ومَن أنبَأ عن الباطنِ كان أولَى.

وقال مالكٌ وأهلُ المدينة، والأوزاعيُّ، والليثُ بنُ سعدٍ، والشافعيُّ، وابنُ أبي ليلَى: إذا أُعتِقتِ الأمةُ تحتَ حُرٍّ فلا خيارَ لها (٣). وهو قولُ أحمدَ وإسحاقَ (٤). ومن حُجّتِهم أنَّها لم يَحْدُثْ لها حالٌ ترتَفِعُ بها عن الحرِّ، فكأنَّهما لم يَزالَا حُرَّينِ، ولما لم يَنقُصْ حالُ الزَّوجِ عن حالِها، ولم يحدُثْ به عيبٌ، لم يكنْ لها خيارٌ، وقد أجمَع الفقهاءُ أن لا خِيارَ لزوجةِ العِنِّينِ إذا ذهَبتِ العُتة، وكذلك زوالُ سائرِ العيوبِ يَنْفي الخيارَ.


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ٧/ ٢٥٤ (١٣٠٣١) عن إبراهيم بن يزيد النخعي عن عمرو بن دينار عنه. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن حزم في المحلّى ١٠/ ١٥٤.
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨/ ٢٠٤ عن عبد الوهاب بن عطاء عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لبريرة لّما اعتِقَت: "قد أُعتِقَ بَضْعُكِ معكِ فاختاري" وهو مرسل.
وأخرج الدارقطني في سننه ٤/ ٤٤٤ (٣٧٦٠) من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لبريرةَ: "اذهبي فقد عُتِقَ معك بَضْعُكِ" وإسناده ضعيف لعنعنة محمد بن إسحاق، ولكن معناه في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: "فخيَّرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من زوجها فاختارت نفسها". البخاري (٣٧٥٨)، ومسلم (١٥٠٤).
(٣) ينظر: المدوّنة ٢/ ٨٤، والأمّ للشافعي ٧/ ١٦٥، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٣٦٤.
(٤) ينظر: المغني لابن قدامة ٧/ ١٩٢. وقوله: "وهو قول أحمد وإسحاق" سقط من ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>