للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديثُ من أصحِّ شيءٍ في المنع من بيع أُمَّهاتِ الأولادِ، وقد أجمَع المسلمون على منعِ بيعِ أُمِّ الولدِ ما دامَتْ حاملًا من سيِّدِها، ثم اختَلَفوا في بيعِها بعدَ وِضْع حَمْلِها. وأصلُ المخالِفِ أنَّه لا يَنتَقِضُ إجماعٌ إلَّا بمثلِه، وهذا قطعٌ لقولِه هاهنا. إلَّا (١) أنَّه يُعتَرضُ بزوال العلَّة المانعةِ من بيعها؛ لأنه إذا زال الحمْلُ المانعُ من ذلك وَجَب أن يزولَ بزواله المنعُ من البيع، ولهم في ذلك ضُروبٌ من التّشْغيبِ، وأمّا طريقُ الاتِّباع للجمهور الذي يُشبه الإجماعَ فهو المنعُ من بيعِهِنّ.

وعلى المنع من بيعِهِنَّ جماعةُ فُقهاءِ الأمصار، منهم مالكٌ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وأصحابُهم، والثوريُّ، والأوزاعيُّ، والليثُ بنُ سعدٍ، وجمهورُ أهلِ الحديث. وقد قال الشافعيُّ في بعضِ كُتُبِه بإجازةِ بيعِهِنَّ، ولكنَّه قطَع في مواضعَ كثيرةٍ من كُتُبِه بأنَّهُنَّ لا يجوزُ بيعُهُنَّ، وعلى ذلك عامَّةُ أصحابِه (٢). والقولُ ببيعِ أُمَّهاتِ الأولادِ شُذوذٌ تعلَّقَتْ به طائفةٌ؛ منهم داودُ، اتِّباعًا لعليٍّ رضي اللهُ عنه، ولا حُجَّةَ لها في ذلك، ولا سلَفَ لها؛ لأنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ مُختلفٌ عنه في ذلك،


(١) من هنا إلى قوله: "فهو المنع من بيعهنّ" من ق.
(٢) ومثل ذلك ذكر عنه النَّوويُّ، فقال: "قال الشافعيُّ والأصحاب: لا يجوز بيعُ أُمِّ الولد ولا رهنُها، ولا الوصيّةُ بها. هكذا قطع به الأصحابُ، وتظاهرت عليه نصوصُ الشافعيّ. ونقل الخراسانيُّون أنّ الشافعيَّ مثّل القولَ في بيعها في القديم. فقال جمهورُهم: ليس للشافعيِّ فيه اختلافُ قولٍ، وإنّما مثّل القول إشارةً إلى مذهب غيرِه. وقال كثيرٌ من الخُراسانيّين: للشافعيِّ قولٌ قديمٌ: أنه يجوز بيعُ أمِّ الولد، وممّن حكاه صاحب التقريب - يعني ابن القفَّال الشاشيّ - والشيخ أبو عليّ السِّنْجي والصيدلاني والشيخ أبو محمد وولدُه إمامُ الحرمين والغزاليُّ وغيرُهم". المجموع شرح المهذّب ٩/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
وما نقله عن الخراسانيِّين والقفّال وغيرهم وصَفَه إمام الحرمين بأنه في حُكم المرجوع عنه، فقال: "واشتُهر من نقل الأثبات إضافةُ قولٍ إلى الشافعيِّ في جواز بيع أمّهات الأولاد، نصَّ عليه في القديم، وهو في حُكم المرجوع عنه، فلا عملَ عليه، ولا فتوى عليه". نهاية المطلب في دراية المذهب لإمام الحرمين الجويني ١٩/ ٤٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>