للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قولِه: "ألْهاني عنه الصَّفْقُ بالأسواق" دليلٌ على أنَّ طلبَ الدُّنيا يمْنَعُ من استِفادةِ العلم، وأنَّ كلَّما ازْدادَ المرءُ طلبًا لها، ازدادَ جهلًا، وقلَّ عِلمُه، واللّهُ أعلمَ. ومن هذا قولُ أبي هريرةَ: أمَّا إخوانُنا المهاجِرون، فكان يَشْغَلُهم الصفْقُ بالأسواق، وأمَّا إخوانُنا من الأنصارِ فشَغَلَتْهم حوائِطُهم، ولَزِمْتُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على شِبَعِ بَطْنِي (١). هذا وكان القومُ عَرَبًا، في طبعِهم الحفظُ وقلَّةُ النِّسيانِ، فكيفَ اليومَ؛ وإذا كان القرآنُ الميَسَّرُ للذِّكْرِ كالإبلِ المُعَقَّلَةِ، من تعاهدَها أمسَكَها، فكيف بسائرِ العلوم؟ واللّهَ أسألُه علمًا نافعًا، وعملًا مُتقبَّلًا، ورزقًا واسعًا، لا شريكَ له.

ومن أحسنِ حديثٍ يروَى في كيفيةِ الاستئذانِ، ما حَدَّثَنَا سعيدُ بنُ نَصرٍ وعبدُ الوارثِ بنُ سفيانَ، قالا: حَدَّثَنَا قاسمُ بنُ أصْبَغَ، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ وضَّاح، قال: حَدَّثَنَا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، قال (٢): حَدَّثَنَا يحيى بنُ آدمَ، عن حسنِ بنِ صالح، عن أبيه، عن سلمةَ بنِ كُهيلٍ، عن سعيدِ بنِ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال: استأْذَن عمرُ على النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: السلامُ على رسولِ الله، السلامُ عليكم، أيَدخُلُ عمرُ؟


(١) أخرجه البخاري (١١٨) و (٢٣٥٠) و (٧٣٥٤)، ومسلم (٢٤٩٢) من حديث عبد الرَّحمن الأعرج، عنه رضي الله عنه.
(٢) في المصنّف (٢٦٢١٤)، وعنه البخاري في الأدب المفرد (١٠٨٥)، وأخرجه أحمد في المسند ٥/ ١٣٧ (٢٩٩٢) عن يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، به.
وأخرجه النسائي في الكبرى ٩/ ٢٨ (١٠٠٨١) عن محمد بن رافع عن يحيى بن آدم، به.
وهو عند أحمد في المسند ٤/ ٤٨٢ (٢٧٥٦)، وأبي داود (٥٢٠١)، والنسائي في الكبرى ٩/ ١٢٨ (١٠٠٨٠) من طريق أسود بن عامر عن الحسن بن صالح بن حيّ، به. وإسناده صحيح.
ووقع في إسنادي ابن أبي شيبة والبخاري "الحسن بن صالح عن سلمة بن كهيل" بإسقاط ذكر "صالح بن حي" والد الحسن بن صالح، وهو إسناد صحيح أيضًا، لأنَّ للحسن بن صالح رواية عن أبيه وعن سلمة بن كهيل، كما في تهذيب الكمال ٦/ ١٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>