للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا خلافَ بينَ العلماءِ في ذلك، إلّا أنّ منهم مَن جعَل آخِرَ وقتِها إدْرَاكَ رَكْعةٍ منها قبلَ طلوعِ الشمسِ لضرورةٍ وغيرِ ضرورةٍ. وهو قولُ داودَ وإسحاقَ (١). وأما سائرُ العلماءِ فجَعَلوا هذا وقتًا لأصحابِ العُذْرِ والضَّروراتِ. وممن ذهَب إلى هذا: مالكٌ، والشافعيُّ، والأوزاعيُّ، وأحمدُ بن حنبلٍ.

واختلَفوا في أولِ وقتِ العصرِ وآخِرِه؛ فقال مالكٌ: أولُ وقتِ العصرِ إذا كان الظِّلُّ قامَةً بعدَ القَدْرِ الذي زالتْ عنه الشمسُ. وَيسْتَحِبُّ لمساجدِ الجماعاتِ أنْ يُؤَخِّرُوا ذلك قليلًا. قال: وآخِرُ وقتِها أنْ يكونَ ظِلُّ كُلِّ شيءٍ مِثْلَيْه.

هذه حكايةُ ابن عبدِ الحَكَم وابن القاسمِ (٢) عنه، وهذا عندَنا على وقتِ الاختيارِ؛ لأنَّه قد روي عنه أن مُدْرِكَ ركعةٍ (٣) منها قبلَ الغروبِ ممن كانتِ الصلاةُ لا تجبُ عليه لو خرَج وقتُها لحالَةٍ، كالمُغْمَى عليه عندَه والحائضِ ومَنْ كان مِثْلَهما، تجبُ عليه صلاةُ العصرِ فَرْضًا بإدْراكِ مقدارِ رَكْعةٍ منها قبلَ غروبِ الشمسِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ وقتَها عندَه إلى غروبِ الشمسِ. وكذلك ذكَر ابن وَهْبٍ أيضًا عن مالكٍ: وقتُ الظهرِ والعصرِ إلى غروبِ الشمسِ. وهذا عندَنا أيضًا على أصحابِ الضرورات؛ لأنّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جمَع بينَ الصلاتين في السفرِ في وقتِ إحداهما لضرورةِ السفرِ، فكلُّ ضرورةٍ وعُذْرٍ فكذلك.

وسنذكُرُ وجهَ الجمع بينَ الصلاتينِ في السفرِ والمطرِ في بابِ أبي الزُّبَيْرِ إنْ شاءَ اللهُ.


(١) داود: هو ابن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان. وإسحاق: هو ابن إبراهيم بن راهوية. وانظر بداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٠٥.
(٢) المدونة ١/ ١٥٦ حكاية أبي عبد الله عبد الرَّحمن بن القاسم عنه.
(٣) وقع في المطبوع: "لأنه قد روي عنه أن لا خلاف عندنا في مدرك ركعة"، وهو تلفيق غير موفق من النسخ، وما هنا من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>