للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال الأوزاعيُّ: إن ركَع رَكْعةً من العصرِ قبلَ غروبِ الشمسِ ورَكْعةً بعدَ غروبِها فقد أدْرَكَها. والصبحُ عندَه كذلك. وقال الثوريُّ: أولُ وقتِ العصرِ إذا كان ظِلُّك مِثْلَك، إلى أن يكونَ ظِلُّك مِثْلَيْك، وإنْ أخَّرْتَها ما لم تَصْفَرَّ الشمسُ أجْزَأَك.

وقال الشافعيُّ: أولُ وقتِها في الصيفِ إذا جاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شيءٍ مِثْلَه بشيءٍ ما كان، ومَن أخَّرَ العصرَ حتى يُجاوِزَ ظِلُّ كلِّ شيءٍ مِثْلَيْهِ في الصَّيْفِ، أو قَدْرَ ذلك في الشتاءِ، فقد فاته وقتُ الاختيارِ، ولا يجوزُ أنْ يقالَ: قد فاته وقتُ العصرِ مطلقًا. كما جاز على الذي أخَّرَ الظهرَ إلى أن جاوزَ ظِلُّ كلِّ شيءٍ مِثْلَه. قال: وإنما قلتُ ذلك لحديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: "مَن أدْرَكَ رَكْعةً مِن العصرِ قبلَ أنْ تَغْرُبَ الشمسُ فقد أدركَها" (١).

قال أبو عُمر: قولُ الشافعيِّ ههنا في وقتِ الظهرِ يَنْفِي الاشتراكَ بينها وبينَ العصرِ في ظاهرِ كلامِه، وهو شيءٌ يَنْقُضُه ما بنَى عليه مذهبَه في الحائض تَطْهُرُ، والمُغْمَى عليه يُفِيقُ، والكافرِ يُسْلِمُ، والصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ؛ لأنَّه يُوجِبُ على كلِّ واحِدٍ منهم إذا أدْرَكَ رَكْعةً واحدةً قبلَ الغروبِ أنّ يُصَلِّيَ الظُّهرَ والعصرَ جميعًا. وفي بعضِ أقاويلِه: إذا أدْرَكَ أحَدُ هؤلاءِ مقدارَ تكبيرةٍ واحدةٍ قبلَ الغروبِ، لزِمه الظهرُ والعصرُ جميعًا. فكيف يَسُوغُ لمَن هذا مَذْهَبُه أن يقولَ: إن الظهرَ يَفُوتُ فَوَاتًا صحيحًا بمجاوزةِ ظِلِّ كُلِّ شيءٍ مِثْلَه أكثرَ مِن فَواتِ العصرِ بمجاوزَةِ ظِلِّ كُلِّ شيءٍ مِثْلَيْه؟ وأما قولُه في وقتِ العصرِ: إذا جاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شيءٍ مِثْلَيْه فقد جاوز وقتَ الاختيارِ. فهذا أيضًا فيه شيءٌ؛ لأنه هو وغيرُه مِن العلماءِ يقولون: مَن صَلَّى العصرَ والشمسُ بيضاءُ نَقِيَّةٌ فقد صَلَّاها في وقتِها


(١) تقدم تخريجه قبل قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>