للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الحُجَّةِ له أيضًا ما صَحَّ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنّه كان يقولُ في سُجُودِه: "سجَد وجْهي للذي خلَقه فشَقَّ سَمعَه وبصَرَه" (١)، فأضاف السَّمعَ إلى الوَجْهِ. وهذا كلُّه مُحتَمِلٌ للتأويل، يُمكِنُ فيه الاعْتراضُ.

وحُجَّةُ الشافعيِّ في قوله: إنّ مَسْحَ الأُذنَين سُنَّةٌ على حيالها، وليستا من الوَجْه ولا من الرأس (٢). إجماعُ القائلينَ بإيجابِ الاسْتيعابِ في مَسْحِ الرأسِ أنّه إنْ ترَك مَسْحَ أُذنَيْه وصَلَّى لم يُعِدْ، فبطَل قولهُم: إنّهما من الرأس؛ لأنّه لو ترَك شيئًا من رَأسِه عندَهم لم يُجْزِئْه، وإجْماعُ العلماءِ أنّ الذي يجبُ عليه حلقُ رأسه في الحجِّ ليس عليه أنْ يأخُذَ ما على أُذنَيْه من الشَّعَر، فدلَّ ذلك على أنّهما ليستا من الرأس، وأنّ مَسْحَهما سُنّةٌ على الانفرادِ كالمضمضةِ والاسْتِنْشَاق.

ولكلِّ طائفةٍ منهما اعتلالٌ من جهةِ الأثَرِ والنَّظَرِ ترَكْتُ ذلك خَشْتةَ الإطالَةِ، وأنّ الغرضَ والجُملةَ ما ذكَرْنا، وبالله توفيقنا.

قال أبو عُمر: المعنى الذي يجبُ الوقوفُ على حقيقتِه في الأُذُنين: أنّ الرأسَ قد رَأينا له حُكْمَين، فما واجَهَ منه كان حُكْمُه الغَسْلَ، وما عَلا منه وكان مَوْضِعًا لنباتِ الشَّعَرِ كانَ حُكْمُه المَسْحَ. واختلافُ الفقهاءِ في الأُذنَين إنّما هو: هل حُكْمُهما المَسْحُ كحُكْم الرأسِ، أو حُكْمُهما الغَسْلُ كغَسْلِ الوَجْهِ، أو لهما من


= أخرجه أبو داود (١٠٨)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى ١/ ٦٤ (٣٠٤) عن زياد بن يونس عن سعيد بن زياد المؤذّن عن عثمان بن عبد الرحمن التَّيميّ قال: سئل ابن أبي مُليكة عن الوضوء، قال: رأيت عثمان بن عفّان سئل عن الوضوء، فذكر الحديث.
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢/ ١٣٣ (٧٢٩)، ومسلم (٧٧١)، وأبو داود (٧٦٠)، والترمذي (٣٤٢١ - ٣٤٢٤)، وابن ماجة (١٠٥٤)، والنسائي (١١٢٦) من حديث عبيد الله بن أبي رافع عن عليٍّ رضي الله عنه.
(٢) قال الشافعي في الأم ١/ ٤٢: ولأنهما - يعني الأذنين - لو كانتا من الوجه غُسِلَتا معه، أو من الرأس مُسِحَتا معه، أو وحدهما أجزأتا منه، فإذا لم يكن هكذا فلم يُذكرا في الفرض، ولو كانتا من الرأس كفى ماسِحُهما أن يمسح بالرأس كما يكفي ممّا يبقى من الرأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>