للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلِّ واحدٍ منهما حُكْمٌ، أو هما من الرأسِ فيُمْسَحانِ معه؟ فلمّا قال - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث، حديث الصُّنابِحيِّ: "فإذا مسَح برأسِه خرَجت الخطايا من أُذنَيه". فأتَى (١) بذِكْرِ الأُذنَين مع الرأس، ولم يقل: إذا غسَل وجهَه خرَجَتِ الخطايا من أُذنَيه، عَلِمْنا أنّ الأُذنَين ليس لهما من حُكم الوجهِ شيءٌ؛ لأنّهما لم يُذْكَرَا معه، وذُكِرَا مع الرأس، فكانَ حُكْمُهما المَسْحَ كحُكْم الرأس، فليس يَصِحُّ من الاختلافِ في ذلك عندي إلّا مَسْحُهما مع الرأسِ بماءٍ واحدٍ، واستِئنافُ الماءِ لهما في المَسْح، فإنّ هذين القولَين مُحتَمِلان للتأويل.

وأمّا قولُ مَن أمَر بغَسْلِهما، أو غَسْلِ بعضِهما - فلا معنى له، وذلك مَدفوعٌ بحديثِ الصُّنَابِحيِّ هذا، مع ما رُوِيَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في مَسْحِهما، وبالله التوفيق.

واستدلَّ بعض من لم يُجِز الوُضوءَ بالماءِ المُسْتَعْمَل بحديث الصُّنابحيِّ هذا، وقال: الماءُ إذا تُوُضِّئَ به مغ خرَجتِ الخَطايا معه، فوجَب التَّنزُّهُ عنه؛ لأنّه ماءُ الذُّنُوب.

وهذا عندي لا وَجْهَ له؛ لأنّ الذُّنُوبَ لا تُنَجِّسُ الماءَ؛ لأنّها لا أشخاصَ لها ولا أجْسامَ (٢) تُمازِجُ الماءَ فتُفسِدُه، وإنّما معنى قوله: "خرَجتِ الخطايا مع الماء": إعلامٌ منه بأنّ الوُضوءَ للصلاةِ عمَل يُكَفِّرُ اللهُ به السَّيِّئاتِ عن عبادِه المؤمنين؛ رَحْمَةً منه بهم، وتفضُّلًا عليهم، أُعْلِمُوا بذلك ليَرْغَبُوا في العمل به.

واختَلَفَ الفقهاءُ في الوُضوءِ بالماءِ المُسْتَعْمَل، وهو الذي قد تُوُضِّئَ به مرَّةً؛ فقال الشافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُهما (٣): لا يُتوَضَّأُ به، ومَن توضَّأ به أعادَ؛


(١) من هنا إلى قوله: "أذنيه" سقط من ك ٢، كأنه قفز نظر.
(٢) قوله: "ولا أجسام" ليست في ك ٢، وهي في النسخ الأخرى.
(٣) ينظر في هذا الأم للشافعي ١/ ١٦ - ١٩، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ٢/ ٤٦ فيما نقله عن الشافعي، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٢٩، والمبسوط للسرخسي ١/ ٤٦ فيما نقلاه عن أبي حنيفة وصاحبيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>