للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّه ليس بماءٍ مُطلقٍ، ويتَيَمَّمُ واجِدُه؛ لأنّه ليس بواجِدٍ ماءً. ومن حُجَّتِهم في ذلك على الذين أجازُوا الوُضوءَ به عندَ عدَم غيرِه: أنّه لمّا كان مع الماءِ الذي يُستعمل كَلا مَاءٍ، كان عندَ عَدَمِه أيضًا كَلا ماءٍ، ووجَب التَّيَمُّمُ. وقال بقولهم في ذلك أصبَغُ بن الفَرَج، وهو قولُ الأوزاعيِّ (١).

وأمّا مالكٌ فقال: لا يتَوضَّأُ به إذا وجَد غيرَه من الماء، ولا خَيرَ فيه. ثم قال: إذا لم يَجِدْ غيرَه توضَّأَ به ولم يَتَيَمَّمْ؛ لأنّه ماءٌ طاهرٌ لم يُغَيِّرْه شيءٌ (٢).

وقال أبو ثَورٍ، وداودُ (٣): الوُضوءُ بالماءِ المستعمل جائزٌ؛ لأنه ماءٌ طاهرٌ لا يَنضافُ إليه شيءٌ، فوجَب أنّ يكونَ مُطَهِّرًا لطَهارتِه، ولأنّه لا يُضافُ إلى شيءٍ، وهو ماءٌ مُطلَقٌ. واحْتجُّوا بإجماعِ الأُمَّة على طَهارَتِه إذا لم يكن في أعضاءِ المُتَوضِّئ نجاسةٌ. وإلى هذا ذهَب أبو عبد الله المَرْوَزيُّ محمدُ بن نَصْرٍ (٤). ومن حُجَّتهم أنّ الماءَ قد يُستعمَلُ في العُضْوِ الواحدِ لا يَمتنِعُ من ذلك أحدٌ ولا يَسْلَمُ من ذلك.

واختُلِفَ عن الثَّوريِّ (٥) في هذه المسألة، فرُوِيَ عنه أنّه قال: لا يَجوزُ الوُضوءُ بالماءِ المُسْتَعمل. وأظُنُّه حُكِيَ عنه أيضًا أنّه قال: هو ماءُ الذُّنوب. وقد رُوِيَ عنه خلافُ ذلك؛ وذلك أنّه أفْتَى مَن نَسِيَ مسْحَ رأسِه أن يأخذَ من بَلَلِ لِحْيَتِه فيَمْسَحُ


(١) ينظر الأوسط لابن المنذر ١/ ٣٩٧ - ٣٩٩، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٢٩.
(٢) المدونة ١/ ١١٥، وبداية المجتهد ١/ ٣٣.
(٣) قال ابن رشد في بداية المجتهد ١/ ٣٣: وبه قال أبو ثور وداود وأصحابه، وشذَّ أبو يوسف فقال: إنه نجس. وانظر الذخيرة للقرافي ١/ ١٧٤.
(٤) فقال بعد نقله جملة من أقوال أهل العلم واختلافهم في ذلك: هو جائزٌ بالماءين جميعًا، وينظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٣٦.
(٥) نقل هذا الاختلاف عن الثوري ابن المنذر في الأوسط ١/ ٣٩٦ فقال: حكى عنه الفاريابي أنه قال كقول هؤلاء - يعني كقول مالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي -: أنهم لا يرون الوضوء بالماء المستعمل، وحكى عنه الأشجعي خلاف ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>