للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به رأسَه. وهذا واضِحٌ في استِعمالِ الماءِ المستعمَل. وقد رُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ، وابن عُمَرَ، وأبي أُمامةَ، وعطاءِ بن أبي رباح، والحسن البصريِّ، والنَّخعيِّ، ومكْحولٍ، والزهريِّ، أنهم قالوا فيمن نسِي مسحَ رأسِه فوجَد في لِحْيَتِه بلَلًا: أنّه يُجْزِئُه أن يَمسحَ بذلك البَلَل رأسَه (١). فهؤلاء كلّهم أجازوا الوُضوءَ بالماءِ المُستعمل.

وأما مالكٌ، والشافعيُّ، وأبو حنيفةَ، ومن قال بقولهم، فلا يجوزُ عندَهم لمَن نَسي مسحَ رأسِه ووجَد في لحيتِه بَلَلًا أن يَمسحَ رأسَه بذلك البَلَلِ، ولو فعَل لم يُجْزِئْه، وكان كمن لم يَمسحْ، وكان عليه الإعادةُ لكلِّ ما صلَّى بذلك الوُضوءِ عندَهم؛ لأنّه ماءٌ قد أُدِّيَ به فرضٌ فلا يُؤَدَّى به فرض آخَرُ كالجِمارِ وشِبْهِها.

قال أبو عُمر: الجِمارُ مختلفٌ في ذلك منها.

وقال بعضُ المُنتَمِينَ إلى العِلم من أهل عصرِنا: إنّ الكبائرَ والصغائرَ تكَفِّرُها الصلاةُ والطهارةُ، واحتجَّ بظاهرِ حديث الصُّنابحيِّ هذا، وبمثله من الآثار، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فما ترَون ذلك يُبْقي من دَرَنِه؟ " (٢)، وما أشْبَه ذلك. وهذا جَهْلٌ بَيِّنٌ، ومُوافَقةٌ للمُرجِئة فيما ذهَبوا إليه من ذلك، وكيف يجوزُ لذي لُبٍّ أن يَحملَ هذه الآثارَ على عُمومِها وهو يسمَعُ قولَ الله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: ٨]، وقوله تبارك وتعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١] في آي كثير من كتابه.


(١) ينظر الأوسط لابن المنذر ١/ ٣٩٦ - ٣٩٧ فيما رواه عن عليٍّ وابن عمر وأبي أمامة وغيرهم في هذا المعنى.
(٢) جزء من حديث أخرجه البخاري (٥٢٨)، ومسلم (٦٦٧) من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يوم خمس مرات، هل يبقى من دَرَنه شيءٌ؟ " قالوا: لا يبقى من دَرَنِه شيءٌ، قال: "فذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهنّ الخطايا". وقوله: "دَرَنه" الدَّرَنُ: الوَسَخُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>