للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعليه قيمتُه، ليس عليه أن يُؤْخَذَ بمثلِه من الحيوانِ، ولكن عليه قِيمَتُه يومَ اسْتَهْلَكه؛ القيمةُ أعدَلُ فيما بينَهما في الحيوانِ والعُروض. قالوا: وأمّا الطعامُ فبمنزلةِ الذهبِ والوَرِقِ، وإذا اسْتَهْلَكه أحَدٌ بغيرِ إذنِ صاحبِه، فعليه مثلُ مَكِيلَتِه من صِنفِه.

قال أبو عُمر: المكيلُ كلُّه، والموزونُ المأكولُ والمشروبُ هذا حُكْمُه عندَه، وأمّا ما لا يُؤْكَلُ، مثلَ الرَّصاص والقُطْنِ، وما أشْبهَ ذلك، فالذي اختاره إسماعيلُ (١) أن يكونَ فيه المثلُ؛ لأنّه يُضْبَطُ بالصِّفَة. قال: وقد احْتَجَّ عبدُ الملك (٢) في القيمةِ في الحيوانِ بأنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضَى فيمَن أعتَق نصفَ عبدٍ له بقيمةِ النصفِ الباقي للشريكِ ولم يَقْضِ بنصفِ عبدٍ مثلِه (٣).

قال أبو عُمر: في حديثِ أبي رافع هذا ما يَدُلُّ على أنّ المُقرِضَ إن أعْطاه المُسْتَقْرِضُ أفضَلَ ممّا أقْرَضه؛ جِنْسًا، أو كَيْلًا، أو وزنًا، أنّ ذلك معروفٌ وأنّه يطيبُ له أخْذُه منه؛ لأنّه أثْنَى فيه على مَن أحسَن القضاءَ، وأطلَق ذلك ولم يُقَيِّدْه بصفةٍ.

وروى سلمةُ بن كُهيلٍ، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يتَقاضاه، فأغلَظ له، فهَمَّ به أصحابُه، فنَهاهم وقال: "ألا كنتم مع الطَّالب؟ ". ثم قال: "دَعُوهُ، فإنّ لصاحبِ الحقِّ مَقالًا، اشتَرُوا له بعيرًا". فلم يَجِدوا إلّا فوقَ سِنِّه، فقال: "اشتَرُوا له فوقَ سِنِّه فأعْطُوه". فجاء إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أخَذْتَ حَقَّك؟ ". قال: نعم. قال: "كذلك افعَلوا، خيرُكم أحسنُكم قضاءً" (٤).


(١) هو إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد، أبو إسحاق الأزدي البصري المالكي شيخ مالكية العراق، المتوفى سنة ٢٨٢ هـ. (تاريخ الخطيب ٧/ ٢٧٢، وتاريخ الإسلام ٦/ ٧١٧).
(٢) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، يروي عن مالك.
(٣) سلف تخريجه قريبًا.
(٤) سلفت الإشارة إليه مع تخريجه قبل قليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>