للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال مالكٌ في صاحبِ الدَّارِ التي ليس فيها فضلٌ عن سُكناه، ولا في ثَمنها فَضْل إن بيعَتْ يعيشُ فيه بعدَ دارٍ تَحمِلُه: أنّه يُعطَى من الزكاةِ. قال: وإن كانت الدَّارُ في ثمنِها ما يُشْتَرَى له به مسكنٌ، ويَفْضُلُ له فضلٌ يعيشُ به: أنّه لا يُعطَى من الزكاةِ. والخادِمُ عندَه كذلك (١). وقولُه أيضا هذا في الدَّارِ والخادم، يَحْتمِلُ التأويلَيْن جميعًا، إلّا أنّ المعروفَ من مذهبِه أنّه لا يَحُدُّ حَدًّا لا يُتجاوزُ، إلّا على قدرِ الاجتهادِ والمعروفِ من أحوالِ الناس، وكذلك يَرُدُّ ما يُعطَى المسكينُ الواحِدُ من الزكاةِ أيضًا إلى الاجتهادِ من غير توقيتٍ (٢).

فأمّا الثوريُّ، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ، وأبو ثورٍ، وأبو عُبيدٍ، وأحمدُ بن حنبلٍ، والطَّبريّ، فكلُّهم يقولون فيمَن له الدارُ والخادِمُ، وهو لا يَسْتَغْني عنهما: إنّه يأخُذُ من الزكاةِ، وتَحِلُّ له (٣). ولم يُفَسِّرُوا هذا التَّفْسيرَ الذي فسَّره مالكٌ، إلّا أنّ الشافعيَّ قال في كتاب الكَفّارات (٤): مَن كان له مسكن لا يَسْتَغْني عنه هو وأهلُه، وخادمٌ، أُعْطِيَ من كفّارةِ اليمين، والزكاة، وصدقةِ الفطر. قال: وإن كان مَسكنُه يَفْضُلُ عن حاجَته وحاجَةِ أهلِه، الفَضْلَ الذي يكونُ بمثلِه غَنيًّا، لم يُعطَ من ذلك شيئًا. فهذا القولُ يُضارِعُ قولَ مالكٍ، إلّا أنّ مالكًا قال: يَفضُلُ له من ذلك فضلٌ يعيشُ به (٥). ولم يقُلْ كم يَعيشُ به. والشافعيُّ قال: يَفْضُلُ له من ذلك فَضلٌ يكونُ به غَنِيًّا.


(١) ذكره عن مالك ابن القاسم في المدوّنة ١/ ٣٤٢ مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه. وينظر: المدوّنة لسحنون ١/ ٥٩٣.
(٢) في المطبوع: "توقيف"، وهو تحريف، والصواب ما أثبتنا، ويعضده ما في الاستذكار ٣/ ٢١٠، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٤٨٦، ومواهب الجليل ٢/ ٣٧٤.
(٣) نقل هذه الأقوال عنهم الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٨٦.
(٤) الأم ٧/ ٦٨.
(٥) المدوّنة ١/ ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>