للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخصَّ رِقابَها بالذِّكر؛ لأنّ الرِّقابَ والأعناقَ تُستَعارُ كثيرًا في موضع الحقوق اللّازمة والفُروض الواجبة، ومنه قولُه عزّ وجلَّ: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] المجادلة: ٣]، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن فارَق الجماعةَ فقد خلَع رِبْقةَ الإسلام من عُنُقه" (١). وكثُر عندهم استعمالُ ذلك واستعارَتُه، حتى جعَلوه في الرِّباع والأموال، إلا ترى إلى قولِ كُثَيِّرٍ (٢):

غَمْرُ الرِّداءِ (٣) إذا تبَسَّم ضاحكًا ... غَلِقَتْ لضحْكَتِه رِقابُ المالِ

قال أبو عُمر: ومن ذهَب في تأويل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولم يَنْسَ حقَّ الله في رقابِها" إلى حُسْنِ التَّملُّكِ والتَّعَهُّدِ بالإحسانِ، فهو، واللهُ أعلمُ، مذهبُ من قال: إنّ المالَ ليس فيه حقٌّ واجبٌ سوَى الزكاة، ولم يرَ في الخيل زكاةً، وهو قولُ جمهورِ العلماء.


= وايتدعوها سالمة، ولا تتَّخذوها كراسيَّ" وهذا إسناد رجاله ثقات غير سهل بن معاذ قال عنه الحافظ ابن حجر في التقريب: "لا بأس به إلّا في روايات زبّان عنه"، وقلنا في تحرير التقريب: "ضعيف ضعّفه يحيى بن معين وابن حبان وقال: منكر الحديث جدًّا، فلست أدري أوقع التخليط في حديثه منه أو من زبان بن فائد" ٢/ ٨٩. ورواية زبّان بن فائد عنه لهذا الحديث أخرجها أحمد في المسند ٢٤/ ٣٩٢ (١٥٦٥٩)، والطبراني في الكبير ٢٠/ ١٩٢ (٤٣). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "ايتدعوها" يعني: اتركوها.
(١) صحيح، أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ٢/ ٤٨١ (١٢٥٨)، وعبد الرزاق (٢٥٧٠٩)، وأحمد في المسند ٢٨/ ٤٠٦ (١٧١٧٠)، والبخاري في تاريخه الكبير ٢/ الترجمة (٢٣٩١)، والترمذي (٢٨٦٣) و (٢٨٦٤)، وابن خزيمة في صحيحه ٣/ ١٩٥ (١٨٩٥) وغيرهم من طريق يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلّام عن جدِّ ممطور - وهو أبو الأسود الحبشي أبو سلّام - عن الحارث الأشعري رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. ووقع عندهم بلفظ: "من فارق الجماعة قيد شبر فقد ... "، وينظر مزيد تخريج له في التعليق على الترمذي.
(٢) كُثيِّر بن عبد الرحمن بن الأسود الخُزاعي، المشهور بكُثيِّر عَزَّة، والبيت في ديوانه، ص ٢٨.
(٣) قوله: "غَمْر الرِّداء" الغَمْرُ في الأصل: هو الماء الكثير، ثم استُعير لكلِّ ما هو كثير، قال الجوهريّ: ورجل غَمْر الرِّداء: إذا كان سخيًّا بين الغُمورة. الصحاح (غمر).

<<  <  ج: ص:  >  >>