للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحارثِ بنِ هشامٍ، وعروةُ بنُ الزُّبيرِ، والقاسمُ بنُ محمدٍ، كلُّهم كانوا يُحَرِّمون بيعَ الحيوانِ باللحم، عاجلًا وآجلًا (١).

وذكر مالكٌ (٢)، عن أبي الزِّنادِ، قال: كلُّ من أدرَكتُ ينهَى عن بيعِ الحيوانِ باللَّحمِ. قال أبو الزِّنادِ: وكان يُكتَبُ ذلك في عهودِ العُمَّال في زمانِ أبانَ بنِ عثمانَ وهشام بنِ إسماعيلَ. قال أبو الزِّنادِ: وسمِعتُ سعيدَ بنَ المسيِّبِ، يقولُ: نُهِي عن بيعِ الحيوانِ باللحمِ. قال: فقلتُ لسعيدِ بنِ المُسيِّبِ: أرَأيتَ رجلًا اشترَى شارفًا بعَشْرِ شِياهٍ؟ فقال سعيدٌ: إن كان اشتَراها لينْحَرَها فلا خيرَ في ذلك.

وذكَر مالكٌ (٣) أيضًا، عن داودَ بنِ الحُصينِ، أنَّه سمِع سعيدَ بنَ المسيِّبِ يقولُ: كان من مَيْسِرِ أهلِ الجاهليَّةِ بيعُ الحيوانِ باللَّحم؛ بالشاةِ والشاتَيْنِ.

وهذا يدُلُّ على مذهبِ مالكٍ في هذا الباب، أنَّه من طريقِ القِمارِ والمُزابَنةِ، واللهُ أعلمُ؛ لأنَّه ذكَر الميسِرَ، وهو القِمارُ.

قال إسماعيلُ بنُ إسحاقَ: وإنَّما دخَل ذلك في معنَى المزابَنةٍ؛ لأنَّ الرجلَ لو قال للرجلِ: أنا أضمَنُ لك من جَزُورِك هذه، أو من شاتِكَ هذِه، كذا وكذا رِطلًا، فما زاد فَلي، وما نقَص فعلَيَّ. كان ذلك هو المزابَنةَ، فلمَّا لم يَجُزْ ذلك لهم، لم يَجُزْ أن يَشتَروا الجزورَ ولا الشاةَ بلحم؛ لأنَّهم يَصيرون إلى ذلك المعنَى. قال: ولهذا قال سعيدُ بنُ المسيِّبِ: إن كان اشتَرى الشَّارِفَ ليَنحَرَها، فلا خيرَ في ذلك. قال إسماعيلُ: لأنَّه إذا اشتَراها ليَنحَرَها، فكأنَّه اشتَراها بلحمٍ، ولو كان لا يريدُ نحرَها لم يكنْ بذلك بأسٌ؛ لأنَّ الظاهرَ أنَّه اشتَرى حيوانًا بحيوانٍ، فوُكِلَ إلى نيَّتِه وأمانَتِه.


(١) ينظر المغني لابن قدامة ٤/ ٢٧.
(٢) في الموطأ ٢/ ١٨٣ (١٩١٤). (لم يذكره في التمهيد) في غير هذا الموضع هنا ٤/ ٣٢٧!
(٣) في الموطأ ٢/ ١٨٣ (١٩١٣)، وانظر ما سلف ٢/ ٣١٧. لم يذكر في التمهيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>