للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعْلومٌ أنَّ الصَّدْرَ الأوَّلَ لم يُخْبِروا بما سَمِعُوا مِن الأخْبارِ ضَرْبَةً واحدةً، بل كانوا يُخْبِرونَ بالشيءِ على حَسَبِ الحالِ، ونُزولِ النَّوازِلِ، وكذلك الأخْبارُ المُستفيضَةُ أيضًا، لم تَقعْ ضَرْبَةً واحدةً، والكلامُ في هذا البابِ يطولُ جِدًّا، وليس هذا مَوْضِعَه، وفيما لَوَّحْنا به منه كِفايَةٌ وتَنْبِيهٌ إن شاء اللهُ تعالى.

وفي هذا الحديثِ أيضًا أنَّ أوَّلَ وَقْتِ صَلاةِ الصُّبْحِ طُلُوعُ الفَجْرِ وأنَّ وَقْتَها مَمْدودٌ إلى آخرِ الإسْفَارِ حتى تَطلُعَ الشَّمسُ.

فأمَّا أوَّلُ وَقْتِها، فلا خِلافَ بينَ عُلَماءِ المسلمينَ أنَّه طُلُوعُ الفجرِ، على ما في هذا الحديثِ وغيرِه، وهو إجْماع، فسَقَطَ الكلامُ فيه.

والفجرُ هو أوّل بَيَاضِ النَّهارِ الظاهِرِ المُسْتَطِيرِ في الأفقِ المُسْتَنِيرِ المُنتشِرِ، تُسَمِّيه العربُ الخَيْطَ الأبيضَ. قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧]. يريدُ بَيَاضَ النَّهارِ مِن سوادِ الليل. قال أبو دُؤَادٍ الإياديُّ:

فلمَّا أضاءَتْ لنَا سُدْفَةٌ ... ولاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنارَا (١)

وقال آخرُ:

قد كادَ يَبْدُو أو بدَتْ تباشرُه

وسَدَفً الليلِ البَهِيمِ ساتِرُهْ (٢)

وقد سمَّتْه أيضًا الصَّدِيعَ، ومنه قولُهم: انْصَدَعَ الفَجْرُ. قال بِشْرُ بنُ أبي خازِم، أو عَمْرُو بنُ مَعْدي كرِبَ:


(١) البيت أورده الأصمعي في الأصمعيات ص ١٩٠، وفي تهذيب اللغة للأزهري ٣/ ١١٢٥، وفي الصحاح للجوهري (خيط).
(٢) الشطر الثاني في اللسان وتاج العروس مادة (سدف) لحميد الأرقط وعندهما "الخيط البهيم" بدل "الليل البهيم". والسَّدَف: ظلمة الليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>