وفي هذا الحديثِ من الفقهِ أصلٌ عظيمٌ جسيمٌ مُطَّردٌ في أكثرِ الأحكامِ: وهو أنَّ اليقينَ لا يُزيلُه الشكُّ، وأنَّ الشيءَ مبنيٌّ على أصلِه المعروفِ حتى يُزيلَه يقينٌ لا شكَّ معه، وذلك أنَّ الأصلَ في الظُّهْرِ أنَّها فرضٌ بيقينٍ أربعُ رَكَعاتٍ، فإذا أحرَم بها ولزِمه إتمامُها، وشكَّ في ذلك، فالواجبُ الذي قد ثبَت عليه بيقين لا يُخرجُه منه إلَّا يقينٌ، فإنَّه قد أدَّى ما وجَب عليه من ذلك، وقد غلِط قومٌ من عوامِّ المنتسبينَ إلى الفقهِ في هذا البابِ، فظنُّوا أنَّ الشكَّ أوجَب على المصلِّي إتمامَ صلاتِه والإتيانَ بالرَّكعةِ، واحتجُّوا لذلك بإعمالِ الشكِّ في بعضِ نوازلِهم، وهذا جهلٌ بيِّنٌ وليس كما ظنُّوا، بل اليقينُ بأنَّها أربعٌ فرضٌ عليه إقامتُها أوجَب عليه إتمامَها، وهذا واضحٌ، والكلامُ فيه لوضوحِه يكادُ يُستغنَى عنه.
أخبَرنا عُبيدُ بنُ محمدٍ، قال: أخبَرنا عبدُ الله بنُ مَسْرورٍ، قال: حدَّثنا عيسى بنُ مِسْكينٍ. وأخبَرنا قاسمُ بنُ محمدٍ، قال: حدَّثنا خالدُ بنُ سَعْدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ عَمْرٍو؛ قالا جميعًا: حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ الله بنِ سَنْجَرَ، قال: حدَّثنا يزيدُ بنُ هارونَ، قال: أخبَرنا هشامٌ الدَّستُوائيُّ، عن يحيى بنِ أبي كثيرٍ، قال: حدَّثني عياضٌ أنَّه سمِع أبا سعيدٍ الخُدريَّ يقولُ: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلَّى أحدُكم فلا يَدرِي أثلاثًا صلَّى أمْ أربعًا، فلْيَتَحَرَّ الصوابَ، ثمَّ ليَسجُدْ سجدتَي السَّهوِ، وإذا أتَى أحدَكم الشيطانُ في صلاتِه فقال له: إنك أحدَثتَ، فلا يَنصِرفْ حتى يسمعَ بأذنَيه صوتَه أو يجِدَ ريحَه بأنفِه"(١). ألا ترى أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَنقُلْه من يقينِ طهارتِه إلى شكٍّ، بل أمَره أنْ يبنيَ على يقينه في ذلك حتى يَصِحَّ عندَه يقينٌ يصيرُ إليه. والأصلُ في هذا وفي البناءِ على اليقين في الصلاةِ سواءٌ.
(١) أخرجه أحمد في المسند ١٨/ ٥٧ (١١٤٧٨) عن يزيد بن هارون، به. وأخرجه ١٧/ ١٤٤ (١١٠٨٢)، وأبو داود (١٠٢٩)، وابن ماجة (١٢٠٤)، والترمذي (٣٩٦)، والنسائيُّ في الكبرى ١/ ٣٠٨ (٥٩٠) من طريق هشام الدستوائي، به. وإسناده ضعيف، لجهالة عياض: وهو ابن هلال الأنصاري كما قال الحافظ ابن حجر في التقريب.