للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أنَّ مالكًا رحمه اللهُ قال: من شكَّ في الحدَثِ بعدَ يقينِه بالوضوءِ فعليه الوضوءُ. ولم يُتابِعْه على هذا القولِ أحدٌ من أهلِ الفقهِ عَلِمتُه إلَّا أصحابُه ومَن قلَّدهم في ذلك (١). وقد قال أبو الفرج (٢): إنَّ ذلك استحبابٌ واحتياطٌ منه.

وخالَف عبدُ الله بنُ نافعٍ مالكًا في هذه المسألةِ، فقال: لا وُضوءَ عليه.

وقال ابنُ خُوَيْز مَنْداد (٣): اختلفتِ الروايةُ عن مالكٍ فيمن توضَّأ ثمَّ شكَّ هل أحدَث أم لا؟ فقد قال: عليه الوضوءُ. وقد قال: لا وضوءَ عليه. وهو قولُ سائرِ الفقهاءِ.

قال أبو عُمر: مذهبُ الثوريِّ، وأبي حنيفةَ وأصحابِه، والأوزاعيِّ، والشافعيِّ ومَن سلَك سبيلَه، البناءُ على الأصلِ حَدَثًا كان أو طهارةً. وهو قولُ أحمدَ بن حنبل، وإسحاقَ، وأبي ثورٍ، وداودَ بنِ عليٍّ، وأبي جعفر الطبريِّ (٤). وقد قال مالكٌ (٥): إنَّه إن عرَض له ذلك كثيرًا فهو على وُضوئِه.

وأجمعَ العُلماءُ أنَّ من أيقَن بالحَدَثٍ وشكَّ في الوُضوءِ أنَّ شكَّه لا يُفيدُ فائدةً، وأنَّ عليه الوضوءَ فَرْضًا، وهذا يدلُّك على أنَّ الشكَّ عندَهم مُلغًى، وأنَّ العملَ على اليقينِ عندَهم. وهذا أصلٌ كبيرٌ في الفقهِ فتدَبَّرْه، وقِفْ عليه (٦).

قرأتُ على أبي عثمانَ سعيدِ بنِ نَصْرٍ، أنَّ قاسمَ بن أصبغَ حدَّثهم، قال:


(١) ينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة ١/ ١٨١، والرسالة للقيرواني، ص ٣٨٦، والبيان والتحصيل ٣/ ٦.
(٢) نقله عنه محمَّد بن يوسف العبدري الغرناطي في التاج والإكليل ١/ ٤٣٧.
(٣) نقله عنه وقول ابن نافع المذكور قبله محمَّد بن يوسف العبدري في التاج والإكليل ١/ ٤٣٧.
(٤) ينظر: المبسوط للسرخسي ١/ ٧٨ - ٧٩، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٥٣، ١٥٤، والمغني لابن قدامة ١/ ١٤٥.
(٥) المدوّنة ١/ ١١٩.
(٦) ينظر: المغني لابن قدامة ١/ ١٤٤ - ١٤٥، والمجموع شرح المهذب للنووي ٢/ ٣ - ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>