للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إصلاحَ صلاتِه، أو فعلَ ذلك ساهيًا -لأُمِر الشاكُّ في صلاتِه الذي لم يدرِ كم صلَّى أثلاثًا أم أربعًا، أنْ يَقْطعَ و (١) يَستأنِفَ، وهذا خلافُ ما وردَتِ السنَّةُ الثابتةُ به في البناءِ على اليقينِ، ولا أعلمُ أحدًا من فُقهاءِ الأمصارِ قال في الساهِي في صلاتِه أنْ يَقْطَعَ ويستأنفَ، وإنْ كان ذلك قد رُوِي عن بعضِ الصحابةِ، وعن جماعةٍ من التابعينَ؛ وإنّما ترَك الفقهاءُ ذلك، واللهُ أعلمُ، لحديثِ أبي سعيدٍ هذا، ولمثلِه من الآثارِ الثابتةِ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في إصلاحِ صلاتِه، نحوَ حديثِ ذي اليدين (٢)، وحديثِ ابنِ مسعودٍ (٣)، فيمَن صَلَّى خمسًا ساهيًا، وحديثِ ابنِ بُحينةَ (٤) وغيرِه فيمن قامَ من رَكْعتينِ، ونحوِ ذلك من الآثارِ، واللهُ أعلمُ.

وفي هذا الحديثِ أيضًا: أنَّ الساهِيَ في صلاتِه إذا فعَل ما يجبُ عليه فعلُه سَجَد لسهوِه، وفيه أنَّ سُجودَ السَّهْوِ في الزيادةِ قبلَ السلام، وهذا موضعٌ اختلَف الفقهاءُ فيه؛ فقال مالكٌ وأصحابُه: كلُّ سهوٍ كان نُقصانًا من الصلاةِ فالسُّجودُ له قبلَ السلام (٥)؛ لحديثِ ابنِ بُحَينةَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في قيامِه من اثنتَين دونَ أن يجلِسَ، فسجَد لسهوِه ذلك قبلَ السلام، وقد نقَص الجلَسةَ الوسطَى والتشُّهدَ.

قال مالكٌ: وإنْ كان السهوُ زيادةً فالسجودُ له بعدَ السلام على حديثِ ذي اليدينِ؛ لأنَّه -صلى الله عليه وسلم- سهَا وسَلَّم من رَكْعتينِ يومَئذٍ، وتكلَّم ثمَّ انصرَف وبنَى، فزادَ سلامًا وعَمَلًا وكلامًا وهو سَاهٍ لا يَظنُّ أنَّه في صلاةٍ، ثمَّ سجَد بعدَ السلام (٦).


(١) في د ١: "أو".
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٤٧ (٢٤٧) عن أيوب بن أبي تميمة السَّختياني عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، وأخرجه البخاري (٧١٤) من طريق مالك، به. وقد سلف تخريجه.
(٣) أخرجه البخاري (٤٠١)، ومسلم (٥٧٢) من حديث علقمة عنه -رضي الله عنه-.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٥٢ (٢٥٦) عن ابن شهاب عن الأعرج عنه -رضي الله عنه-، وأخرجه البخاري (١٢٢٤)، ومسلم (٥٧٠) من طريق مالك، به.
(٥) ينظر: المدوّنة ١/ ٢٢٢، والبيان والتحصيل لابن رشد ١/ ٤٤٢.
(٦) ينظر: الموطأ ١/ ١٥٢ - ١٥٣ (٢٥٨)، والمدونة ١/ ٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>