للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا كلُّه قولُ أبي ثورٍ (١)، وهو الصحيحُ في هذا البابِ من جهةِ الآثارِ؛ لأنَّ في قولِ مالكٍ ومن تابعَه على ذلك استعمالَ الخبرينِ جميعًا في الزيادةِ والنقصانِ، واستعمالُ الأخبارِ على وُجوهِها أولَى من ادِّعاءِ التَّناسُخِ فيها. ومن جهةِ النظرِ الفرقُ بيِّنٌ بينَ النقصانِ في ذلك وبينَ الزيادةِ؛ لأنَّ السجودَ في النقصانِ إصلاحٌ وجَبْرٌ، ومحالٌ أنْ يكونَ الإصلاحُ والجبرُ بعدَ الخروجِ من الصلاةِ؛ وأمَّا السجودُ في الزيادةِ، فإنَّما ذلك ترغيمٌ للشيطانِ، وذلك ينبغي أن يكونَ بعدَ الفراغ.

وكان مالكٌ يقولُ: إذا اجتمعَ زيادةٌ ونقصانٌ من السهوِ فالسجودُ لذلك قبلَ السلام؛ لأنَّه أملكُ بمعنى الجبرِ والإصلاح (٢)، وجملةُ مذهبِه أنَّ مَن وضَع السجودَ الذي قُلْنا: إنَّه قبلُ: بعدُ، أو وضَع السجودَ الذي قُلْنا: إنَّه بعدُ: قبلُ؛ فلا شيءَ عليه، إلَّا أنَّهم أشدُّ استثقالًا لمَن وضَع السجودَ الذي بعدَ السلام قبلَ السلام، وذلك لِما رأَى وعَلِمَ من اختلافِ أهلِ المدينةِ في ذلك.

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه، والثوريُّ (٣): السُّجودُ كلُّه في السهوِ زيادةً كان أو نُقصَانًا بعدَ السلام. وهو قولُ أبي سلمةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، وعُمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، وهو قولُ داودَ؛ إلا أنَّ داودَ لا يرى السجودَ إلَّا في خمسةِ مواضعَ جاءَت فيها الآثارُ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. وحجَّةُ الكوفيِّينَ في ذلك حديثُ ابنِ مسعودٍ، إذ صلَّى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خمسًا، وحديثُ ذي اليدينِ، وحديثُ المغيرةِ بنِ شُعبة (٤) أنَّه قامَ من اثنتَينِ


(١) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٣/ ٥٠٤.
(٢) ينظر: البيان والتحصيل لابن رشد ١/ ٥١١.
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٧٤، والمبسوط للسرخسي ١/ ٢١٨، ٢١٩، والمغني لابن قدامة ٢/ ١٨.
(٤) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (١٨١٦٣)، والدارمي (١٥٠٩)، وأبو داود (١٠٣٧)، و الترمذي (٣٦٥) من حديث زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة، وقال الترمذي: "حسن صحيح، وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-". وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ٢/ ٣١٠ (٣٤٨٣)، وأحمد في المسند ٣٠/ ١٦٢ (١٨٢٢٣)، وأبو داود (١٠٣٦)،

<<  <  ج: ص:  >  >>