للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا الشَّافعيُّ وأصحابُه، وأحمدُ بنُ حنبلٍ (١)، وسائرُ أهلِ العلم -فيما علمْتُ- فإنَّهم قالوا: جائزٌ للغازِي في سبيل الله إذا ذهبَتْ نفقتُه ومالُه غائبٌ عنه أنْ يأخذَ مِن الصدقةِ ما يُبلِّغُه. قالوا: والمحتمِّلُ بحَمالةٍ في صلاحٍ وبرٍّ، والمتداينُ في غير فسادٍ، كلاهما يجوزُ له أداءُ دَينِه منَ الصدقةِ، وإنْ كان الحميلُ غنيًّا فإنَّه جائزٌ له أخذُ الصدقةِ إذا وجبَ عليه أداءُ ما تحمَّلَ به وكانَ ذلك يُجحفُ بمالِه.

واحتجَّ مَن ذهبَ إلى هذا بحديثِ قَبِيصةَ بنِ المخارقِ، وبظاهرِ حديثِ زيدِ بنِ أسلمَ هذا.

فأمَّا حديثُ قَبِيصةَ؛ فحَدَّثَنَا عبدُ الوارثِ بنُ سُفيانَ، قال: حَدَّثَنَا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حَدَّثَنَا بكرُ بنُ حمَّادٍ، قال: حَدَّثَنَا مُسدَّدُ بنُ مُسرهدٍ، قال: حَدَّثَنَا حمَّادُ بنُ زيدٍ، عن هارونَ بنِ رئابٍ، قال: حدَّثنِي كنانةُ بنُ نُعيمٍ، عن قَبيصةَ بنِ المخارقِ، قال: تحمَّلْتُ بحَمالةٍ، فأتيْتُ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أسألُه فيها، فقال: "أقمْ يا قَبيصةُ حتَّى تأتيَنا الصَّدقةُ فنأمرَ لكَ بِها". ثم قال لي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا قَبيصةُ، إنَّ المسألةَ لا تحلُّ إلَّا لأحدِ ثلاثةٍ (٢): رجلٌ تحمَّلَ بحَمالةٍ فحلَّتْ لَه المسألةُ حتَّى يُصيبَها، ثُمَّ يُمسكُ، ورجلٌ أصابتْه جائحةٌ فاجتاحَتْ مالَه، فحلَّتْ لَه المسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوامًا من عيشٍ -أو سِدادًا من عيشٍ- ورجلٌ أصابتْه فاقةٌ حتَّى يقولَ ثلاثة من ذوِي الحِجا من قومِهِ: أصابَتْ فُلانًا الفاقةُ فحلَّتْ له المسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوامًا من عيشٍ -أو سِدادًا من عيشٍ (٣) - فما سواهُنَّ يا قَبيصةُ منَ المسألةِ فسُحْتٌ" (٤).


(١) ينظر: الأم للشافعي ٢/ ٧٩، وحلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ٣/ ١٣٤ لأبي بكر الشاشي القفّال ٣/ ١٣٤، والمغني لابن قدامة ٦/ ٤٨٣.
(٢) في خ: "ثلاثة رجال".
(٣) قوله: "أو سدادًا من عيش" لم يرد في ق.
(٤) أخرجه الدارمي في سننه ١/ ٤٨٧ (١٦٧٨)، وأبو داود (١٦٤٠) عن مسدَّد بن مسرهد، به.
وأخرجه الطيالسي في مسنده ٢/ ٦٦٤ (١٤٢٤)، ومسلم (١٠٤٤)، والنسائي في المجتبى =

<<  <  ج: ص:  >  >>