للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقولُه: "رجلٌ تحمَّلَ بحَمالةٍ، فحلَّتْ لَه المسألةُ حتَّى يُؤدِّيَها، ثُمَّ يُمسكُ" دليلٌ على أنَّه غنيٌّ؛ لأنَّ الفقيرَ ليسَ عليه أنْ يُمسكَ عن السُّؤالِ مع فقرِه، ودليلٌ آخرُ وهو عطفُه ذكرَ الذي ذهَب مالُه، وذكرَ الفقيرِ ذِي الفاقةِ، على ذكرِ صاحبِ الحَمالةِ، فدلَّ على أنَّه لم يذهبْ مالُه، ولم تُصبْه فاقةٌ، واللّهُ أعلمُ.

وأجمَع العلماءُ على أنَّ الصَّدقةَ تحلُّ لمَن عمِل عليها وإنْ كان غنيًّا، وكذلك المشترِي لها بمالِه، والذي تُهْدَى له -على ما جاءَ في هذا الحديثِ- فكذلك سائرُ مَن ذُكِر فيه، واللّهُ أعلمُ.

وظاهرُ هذا الخبرِ يقتضِي (١) أنَّ الصَّدقةَ تِحلُّ لهؤلاء الخمسةِ في حالِ غناهُم، ولو لم يجزْ لهم أخذُها إلَّا مع الحاجةِ والفقرِ لَمَا كان للاستثناء وجْهٌ؛ لأنَّ اللّهَ قد أباحَها للفقراء والمساكينِ إباحةً مُطلقةً، وحقُّ الاستثناء أنْ يكونَ مخُرِجًا مِن الجملةِ ما دخَل في عُمومِها، هذا هو الوجْهُ، واللّهُ أعلمُ.

ورَوَينا عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي نُعم أنَّه قال: كنتُ جالسًا عندَ عبدِ الله بنِ عُمرَ، فجاءتْه امرأةٌ، فقالتْ: يا أبا عبدِ الرحمنِ، إنَّ زوجَها تُوفِّي، وأوصَى بمالٍ في سبيلِ الله. قال: هو في سبيلِ الله كما قال. قلتُ: إنَّكَ لم تزدْها إلَّا عَمًى، قد سألتْكَ فأخبرْها. فأقبلَ عليَّ، فقال: يا ابنَ أبي نُعمٍ، أتأمرني أنْ آمرَها أنْ تدفعَه


= (٢٥٨٠)، وفي الكبرى ٣/ ٧١ (٢٣٧٢)، وابن خزيمة في صحيحه ٤/ ٦٥ (٢٣٦١)، وابن حبّان في صحيحه ٨/ ١٩٠ (٣٣٩٦)، والبيهقي في الكبرى ٧/ ٢١ (١٣٥٧٣) من طريق حمّاد بن زيد، به.
وهو عند أبي عبيد القاسم بن سلام في الأموال (٥٦٤)، وأحمد في مسنده ٢٥/ ٢٥٧ (١٥٩١٦) من طريق هارون بن رئاب، به.
وقوله: "تحمَّلت بحَمالة" أي: تكفَّلت مالًا لإصلاح ذات البين. و"الحِجا" العقل. و"قِوامًا" بكسر القاف؛ أي: ما يقوم بحاجته الضرورية. وقوله: "سدادًا" السِّداد بالكسر: كلّ شيء سَدَدتَ به خللًا، والمراد: ما يكفي حاجته.
(١) في ق: "يقضي".

<<  <  ج: ص:  >  >>