وفيه من الفقْهِ أيضًا إيجابُ العمل بخبرِ الواحدِ الثِّقةِ، ذكرًا كان أو أُنثَي، وعلى ذلك جماعةُ أهلِ الفقهِ والحديثِ أهلُ السُّنَّةِ، ومَن خالَف ذلك فهو عندَ الجميعِ مُبتدِعٌ. والدَّليلُ على ما قُلْنا من العملِ بخبرِ الواحدِ من هذا الحديثِ قولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لأمِّ سلمةَ:"ألا أخبرتِيها؟ ". فأوضَح بذلك أنَّ خبرَ أُمِّ سلمةَ يجبُ العملُ به، وكذلكَ خبرُ المرأةِ لزوجِها، ولو كان خبرُ أُمِّ سلمةَ لا يلزَمُ المرأةَ، أو خبرُ المرأةِ لا يلزَمُ زوجَها، لَمَا قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لأمِّ سلمةَ:"ألا أخبرتيها؟ "؛ لأنَّها كانَتْ تقولُ: وكيف كنتُ أُخبرُها عنك وحدي؟ وأيُّ فائدةٍ في نقِلي عنك وحدِي؟ أو كيف تنقُلُ المرأةُ الخبرَ وحدَها إلى زوجِها؟ وهذا بيِّن في إيجابِ العملِ بخبرِ الواحدِ وقَبولِه ممَّن جاء به إذا كان عدلًا، والحجَّةُ في إثباتِ خبرِ الواحدِ والعملِ به قائمة من الكتابِ والسّنَّةِ ودلائلِ الإجماعِ والقياسِ، وليس هذا موضعَ ذكرِها، وقد أفردْنا لذلك كتابًا تقصيْنا فيه الحجَّةَ على المخالفينَ، والحمدُ للّه، وإنَّما قصَدْنا في كتابِنا هذا لتخريجِ ما في الأخبارِ من المعانِي، وقد علِمْنا أنَّ النَّاظرَ فيه ليس ممَّن يُخالفُنا في قَبولِ خبرِ الواحدِ، وباللّه التوفيقُ.
وفيه: أنَّ فعلَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- كلَّه يحسُنُ التَّأسِّي به فيه على كلِّ حالٍ، إلَّا أن يُخبِرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنَّه له خاصَّةً، أو ينطِقَ القرآنُ بذلك، وإلَّا فالاقتداءُ به أقلّ أحوالِه أن يكونَ مندوبًا إليه في جميعِ أقوالِه، ومن أهل العلم مَن رأى أنَّ جميعَ أفعالِه واجبٌ الاقتداءُ بها كوجوبِ أوامرِه. وقد بيَّنَّا الحجَّةَ فيما اختُلِفَ فيه من ذلك في غيرِ هذا الكتاب. والدَّليلُ على أنَّ أفعالَه كلَّها يحسُنُ التَّأسِّي به -صلى الله عليه وسلم- فيها قولُ الله عزَّ وجلَّ:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]، فهذا على الإطلاقِ، إلَّا أن يقومَ الدَّليلُ على خُصوصِ شيءٍ منه فيجبَ التَّسليمُ له، ألا ترَى أنَّ الموهوبةَ لما كانت له خاصةً نطَق القرآنُ بأنَّها خالصةٌ له من دونِ