وقال القرطبي في تفسيره ٦/ ٥٠: قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} نُصب على الاستثناء المتَّصل عند الجمهور من العلماء والفقهاء، وهو راجعٌ إلى كلِّ ما أُدرك ذكاته من المذكورات وفيه حياةٌ، فإنَّ الذَّكاةَ عاملةٌ فيه، لأنَّ حقَّ الاستثناء أن يكون مصروفًا إلى ما تقدَّم من الكلام، ولا يُجعل منقطعًا إلّا بدليلٍ يجب التَّسليم له". قلنا: والصحيح أن الرواية قد اختلفت عن مالكٍ في ذلك، وقد ذكر ابن رشد مجمل ما ورد عنه وعن أصحابه من أوجه التأويل الوارد في الآية المذكورة فقال: فمن ذهب إلى أن الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} هو من الاستثناء المتَّصل أجاز ذكاةَ المنخنقة وأخواتها وإن صارت البهيمة ممّا أصابها من ذلك إلى حال اليأس ما لم يَنفُذ ذلك مقتلًا، وهو مذهبُ ابن القاسم وروايته عن مالكٍ في المدوّنة والعُتبية، وإحدى روايتي أشهب عنه في العتبية أيضا. ومَنْ ذهب إلى أنه استثناء منفصل (منقطع) لم يُجِزْ ذكاتَها إذا صارت في حال اليأس ممّا أصابها من ذلك وإن لم يُنفذ منها مقتلًا، وقال: معنى الكلام: لكن ما ذكّيتم من غير هذه الأصناف -وهو قولُ مالكٍ رحمه الله تعالى- في رواية أشهب عنه، وقول ابن الماجشون وابن عبد الحكم وروايته عن مالك. وأمّا إذا أنفذ مقاتلَها ما أصابها من ذلك فلا ثُذكّى ولا تؤكل باتفاق المذهب؛ لأنها بسبيل الميتة، وإن تحرّكت بعد ذلك، فإنما هي بسبيل الذَّبيحة التي تتحرَّك بعد الذَّبح". المقدمات الممهدات ١/ ٤٢٤ - ٤٢٥.