للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك المريضةُ التي لا يُشَكُّ أنَّه مَرَضُ موتٍ، جائزٌ ذَكاتُها إذا أُدْرِكَتْ فيها حَياةٌ، وما دامَ الرُّوحُ فيها فله أنْ يُذَكِّيَها. قال إسحاقُ: ومَن قال خِلافَ هذا، فقد خالَفَ السُّنّة مِن جمهورِ الصحابةِ، وعامَّةِ العلماءِ.

قال أبو عُمر: يَعْضُدُ ذلك حديثُ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ المَذْكُورُ فيه: "فأصَابَها المَوْتُ"، وبالله التوفيقُ. وهو حديث حسَن، أخْرَجَه أبو داودَ وغيرُه (١).

وفيه أيضًا مِن الفقهِ: أنَّ كلَّ ما أنْهَرَ الدَّمَ، وفَرَى الأوداجَ، فهو مِن آلاتِ الذَّكَاةِ، وجائزٌ أنْ يُذَكَّى به، ما خَلَا السِّنَّ والعَظْمَ. وعلى هذا تَواتَرَتِ الآثارُ، وقال به فقهاءُ الأمصارِ؛ على ما نُبَيِّنُه إنْ شاء اللهُ تعالَى.

أخْبَرَني سعيدُ بنُ نصر قراءةً مِنِّي عليه، أنَّ قاسِمَ بنَ أصبغَ حدَّثَهم، قال: حدَّثنا ابنُ وضّاح (٢)، قال: حدَّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، قال: حدَّثنا أبو الأحوص (٣)، عن عاصم (٤)، عنِ الشعبِيِّ، عن محمدِ بنِ صَيْفِيٍّ، قال: ذَبَحْتُ أرْنَبَيْنِ بمَرْوَة، فأتيْتُ بهما النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فأمَرَنِي بأكْلِهما. كذا قال أبو الأحْوَص (٥). وقال


(١) أبو داود في السنن (٢٨٢٣) من طريق يعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني حارثة: "أنه كان يرعى لِقْحة بشِعْبٍ من شعاب أُحد، فأخذَها الموت ... "، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف ٤/ ٤٩٧ (٨٦٢٦) و (٨٦٢٧)، وابن أبي شيبة في المصنف (٢٠١٨٣) من طريق سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم، به. والطريق المذكورة عند أبي داود سبق وأن ذكرها المؤلف في أوّل شرحه لهذا الباب، وفيها: "أخذها الموت" بدل "أصابها الموت". فاللفظ الأخير هو لفظ حديث الباب عند مالك في الموطأ (١٤٠٥).
(٢) محمد بن وَضّاح بن بزيع، أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن معاوية، من الأئمّة المشهورين.
(٣) سلّام بن سُليم الحنفيّ، مولاهم الكوفيّ.
(٤) عاصم بن سليمان الأحول، أبو عبد الرحمن البصريّ.
(٥) يعني قال في إسناده: "محمد بن صيفي"، ولم يقل: "محمد بن صفوان، أو صفوان بن محمد" كما ذكر. وهذا الحديث بهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢٠١٧٢) و (٢٤٧٦٦)، وفي مسنده ٢/ ٢٢٤ (٧١٢)، وعنه ابن ماجة (٣١٧٥). وسيأتي تفصيل القول على إسناد هذا الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>