للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يجوزُ لأحدٍ أنْ يصومَ فيه فرضًا ولا نفلًا (١). واحتجُّوا بأشياءَ يطولُ ذكرُها؛ منها حديثُ مالكٍ، عن هشام بنِ عروةَ، عن أبيه، أنَّه قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يقولُ: "إذا بدا حاجبُ الشمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى تَبرُزَ، وإذا غاب حاجبُ الشمسِ فأخِّروا الصلاةَ حتى تَغيبَ" (٢). قالوا: وهذا على الفريضةِ وغيرِها، وقد ذكَرْنا قولَهم هذا، وذكَرنا الحُجَّةَ عليهم فيما ذهَبوا إليه مِن ذلك فيما تقدَّمَ مِن كتابِنا هذا.

وقد رُوِّينا عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه لم ينتَبِهْ ذلك اليومَ إلَّا والشمسُ لها حرارةٌ، ولا يكونُ للشمس حرارةٌ، إلَّا وقد ارتَفَعَتْ، وجازَتِ الصلاةُ عندَ الجميعِ، فبطَل تأويلُهم هذا إن شاء اللهُ. وسنذكُرُ هذا الخبرَ وغيرَه مِن شكلِه في هذا البابِ بعونِ الله.

وتأوَّلوا في قولِه -صلى الله عليه وسلم-: "مَن نام عن الصلاةِ أو نَسِيَها، فليُصلِّها إذا ذكَرها":

أنَّ ذلك إعلامٌ منه بأنَّها غيرُ ساقطةٍ عن النائم والناسي، لا أنَّها تُصلَّى في وقتِ الطلوع والغروب. والحجةُ عليهم فيما ذهَبوا إليه مِن هذا التأويلِ قولُه -صلى الله عليه وسلم-:"مَن أدرَك ركعةً مِن الصبح قبلَ أنْ تطلُعَ الشمسُ فقد أدرَك الصبحَ، ومَن أدرَك ركعةً مِن العصرِ قبلَ أنْ تغرُبَ الشمسُ فقد أدرَك العصرَ" (٣). ومعلومٌ أنَّ ظاهِرَ هذا الحديثِ يُبيحُ الصلاةَ المفروضةَ عندَ طُلوع الشمسِ وعندَ غروبِها، وهذا نصٌ يقطعُ الارتيابَ في هذا الباب، وقد تقدَّم مِن قولِنا فيه ما يُغْني عن إعادتِه هاهنا (٤). وجاء عن عطاءِ بنِ أبي رباح، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى في موضعِه ذلك ركعتَي الفجرِ.


(١) ينظر: المبسوط للسرخسي ١/ ١٥١، ١٥٢.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٠١ (٥٨٥)، وهو الحديث الخامس والخمسون من أحاديث مالك عن هشام بن عروة، وسيأتي في موضعه مع مزيد كلام عليه.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٦ (٥)، وقد سلف مع تمام تخريجه في الحديث الخامس من أحاديث مالك عن زيد بن أسلم.
(٤) في الباب المذكور في التعليق السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>