للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكَر عبدُ الرزاقِ (١)، قال: أخبَرني ابنُ جُريج، عن عطاءٍ: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- بينما هو في بعضِ أسفارِه، فساروا ليلتَهم، حتى إذا كانوا في آخِرِ الليلِ نزَلوا للتَّعريسِ، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن يُوقِظُنا للصُّبح؟ ". فقال بلالٌ: أنا. فتَوسَّد بلالٌ ذراعَه (٢)، فلم يستيقِظُوا حتى طَلَعتِ الشمسُ، فقامَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فتوضَّأ ورَكَع ركعتَينِ في مُعَرَّسِه، ثم سارَ ساعةً، ثم صلَّى الصُّبحَ. قال ابنُ جُريجٍ: فقلتُ لعطاءٍ: أيُّ سَفر هو؟ قال: لا أدرِي.

قال أبو عُمر: في قولِ عطاءٍ هذا ما يدُلُّ على أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لم يُؤخِّرْ صلاةَ الصُّبح يومَئذٍ، ولم يَخرُجْ مِن ذلك الوادي لِمَا زعَم العراقِيُّون مِن أنَّه انتبَه في وقتٍ لا تجوزُ فيه الصلاةُ، ألا ترَى أنَّه صلَّى ركعتي الفَجرِ ثم مشَى ساعَةً، ولا خِلافَ أنَّ الوقتَ الذي تجوزُ فيه النافلةُ، فالفريضةُ أحرَى أنْ تجوزَ فيه. واختلَف القائلونَ بالقولِ الأولِ:

فقال منهم قائلون: مَن نام عن الصلاةِ في سفره، ثم انتبَه، لَزمِه الزَّوالُ عن ذلك الموضع، وإنْ كان واديًا خرَج عنه؛ لقولِه -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الشيطانَ أتى بلالًا"، وقولِه: "اركَبوا واخرُجوا مِن هذا الوادي، فإنَّه وادٍ به شيطانٌ". قالوا: فكلُّ موضع يُصيبُ المسافرين أو غيرَهم فيه مثلُ ما أصاب أصحابَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- معه عليه السلامُ في ذلك الموضعِ؛ مِن النوم عن الصلاةِ حتى يَخرُجَ وقتُها، فواجبٌ الخروجُ عنه، وإقامةُ الصلاةِ في غيرِه؛ لأَنَّه موضعُ شيطانٍ، وموضعٌ ملعونٌ. ونزَعوا بنحوِ ما قدَّمنا ذكرَه مِن العِلَلِ.

وقال منهم آخرون: أمَّا ذلك الوادي وحدَه، إنْ عُلِم وعَرَض فيه مثلُ ذلك العارضِ، فواجبٌ الخروجُ منه، على ما صنَع رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يومَئذٍ، وأمَّا


(١) في المصنَّف ١/ ٥٨٨ (٢٢٣٨).
(٢) في المطبوع من المصنف: فتوسَّد بلالٌ ذراع ناقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>