للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بُعِث مُبيِّنًا لمُرادِ الله مِن عبادِه، والقومُ عربٌ لا يعرِفون مِن الخطابِ إلَّا استعمالَ عمومِه، ما لم يكُنِ الخصوصُ والاستثناءُ يصحَبُه، فلو أراد مقبرةً دونَ مقبرةٍ، لوَصَفها ونَعَتها، ولم يُحِلْ على لفظِ المقبر جُملةً؛ لأنَّ كلَّ ما وقَع عليه اسمُ مقبر يدخُلُ تحتَ قولِه: "المقبرةَ". هذا هو المعروفُ من حقيقةِ الخطابِ، وبالله التوفيقُ. ولو ساغَ لجاهلٍ أنْ يقولَ: مقبرةُ كذا، لجازَ لآخرَ أنْ يقولَ: حمَّامُ كذا؛ لأنَّ في الحديثِ: "إلَّا المقبرةَ والحمَّامَ". وكذلك قولُه: "المزبلةَ، والمجزرةَ، ومحجَّةَ الطريقِ". غيرُ جائزٍ أن يُقالَ: مزبلةُ كذا، ولا مَجْزرةُ كذا، ولا طريقُ كذا؛ لأنَّ التَّحكُّمَ في دينِ الله غيرُ سائغ، والحمدُ لله.

حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ يحيى، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ سعيدٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الملكِ بنُ بَحْرٍ، قال: حدَّثنا موسى بنُ هارونَ، قال: حدَّثنا العباسُ بنُ الوليدِ بنِ نصرٍ النَّرْسِيُّ، قال: حدَّثنا وُهَيْبُ بنُ خالدٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الرحمنِ بنُ يزيدَ بنِ جابرٍ، عن القاسم بنِ مُخَيمِرَةَ، عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ، أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- نهَى أنْ يُصلَّى على القبرِ، أو يُقعَدَ عليه، أو يُبنَى عليه (١). قال موسى بنُ هارونَ: قولُه: "أنْ يُصلَّى على القبرِ" وَهَمٌ، وإنَّما هو أن يُصلَّى إلى القبرِ.

وفي حديثِ زيدِ بنِ أسلمَ هذا: ثم أمَرَهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يَنزِلوا ويتَوضَّئُوا، وأمَر بلالًا أن يُؤذِّنَ أو يُقيمَ. هكذا رواه يحيى على الشَّكِّ، وتابعَه قومٌ، واختلَفَتِ الآثارُ في ذلك، على ما نذكُرُه في هذا البابِ إن شاء اللهُ، وأكثرُها فيه: أنَّه أذَّنَ وأقام، وكذلك في أكثرِها: أنَّه صلَّى ركعتي الفجرِ، وأمَرهم أن يُصلُّوها،


(١) أخرجه ابن ماجة (١٥٦٤)، وأبو يعلى (١٠٢٠)، والخطيب في تاريخ مدينة السلام ٩/ ٤٩ من طريقين عن وُهيب بن خالد، به، وليس عند ابن ماجة قوله في آخره: أو يقعد عليه، أو يُبنى عليه، وإسناده ضعيف لانقطاعه، فإن القاسم بن مخيمرة لم يسمع من أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.

<<  <  ج: ص:  >  >>