للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: ٤٢]. فرُوِيَ عن ابنِ عباسٍ، وسعيدِ بنِ جُبيرٍ، في هذه الآيةِ، أنَّهما قالا: تُقبَضُ أرواحُ الأمواتِ إذا ماتوا، وأرواحُ الأحياءِ إذا ناموا، تتعارفُ ما شاء اللهُ أنْ تتعارفَ، {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ}: التي قد ماتت، {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}. ذَكَره بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ، عن يحيى بنِ عبدِ الحميدِ الحِمَّانيِّ، عن يعقوبَ القُمِّيِّ، عن جعفرِ بن أبي المُغيرةِ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ (١).

وذكَره أيضًا عن يحيى بنِ رجاءٍ، عن موسى بنِ أعيَنَ، عن مُطرِّفٍ، عن جعفرٍ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ (٢). ومعنى حديثِهما واحدٌ. وهذا يدُلُّ على أنَّ النفسَ والروحَ شيءٌ واحدٌ؛ لأنَّهم فسَّروا الآيةَ وقد جاءَتْ بلفظِ {يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} - {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} - فقالوا: يَقبِضُ الأرواحَ. كما رأيتَ، وذلك واضحٌ في أنَّ النفسَ والرُّوحَ سواءٌ.

ويشهَدُ بصحَّةِ ذلك قولُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديثِ: "إنَّ اللهَ قبَض أرواحَنا". ولم يُنكِرْ على بلالٍ قولَه: أخَذ بنَفْسي الذي أخَذ بنَفْسِك، فالقرآنُ والسُّنةُ يُشيرانِ إلى معنًى واحدٍ، بلفظِ النفسِ مرَّةً، وبلفظِ الرُّوح أُخرى.

وقال آخرونَ: النفسُ غيرُ الرُّوح. واحتجُّوا بأنَّ النفسَ مخاطَبةٌ منهية مأمورةٌ، واستدلُّوا بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٧ - ٢٨]. وقولِه: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ


(١) وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٢١/ ٢٩٨، وأبو محمد عبد الله بن حيّان المعروف بأبي الشيخ في العظمة ٣/ ٨٨٤ من طريق يعقوب القُمّي، به. ورجال إسناده ثقات.
(٢) أخرجه الطبراني في الأوسط ١/ ٤٥ (١٢٢)، ومن طريقه الضياء في الأحاديث المختارة ١٠/ ١٢٣. وأخرجه أبو الشيخ في العظمة ٣/ ٩٠٦ من طريق مطرِّف بن طَريفٍ الحارثي، به وأورده الهيثمي في المجمع ٧/ ١٠٠ وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>