للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد روَى محمدُ بنُ الحسنِ في "السِّيَرِ" (١)، عن أبي يُوسُفَ، عن أبي حنيفةَ، أنَّ المرْتَدَّ يُعْرَضُ عليه الإسلامُ، فإنْ أسْلَم، وإلَّا قُتِل مَكانَه إلَّا أن يَطْلُبَ أن يُؤَجَّلَ، فإن طلَبَ ذلك أُجِّلَ ثلاثةَ أيَّام.

والزَّنْدِيقُ عندَهم والمرْتَدُّ سَواءٌ، إلَّا أنَّ أبا يُوسُفَ لما رَأى ما يَصْنَعُ الزَّنادِقَةُ، وأنَّهم يَعُودُونَ بعدَ الاسْتِتابَةِ، قال: أرَى إذا أُتِيتُ بزِنْدِيقٍ، أمَرْتُ بضربِ عُنُقِه، ولا أسْتَتِيبُه، فإن تابَ قبلَ أن أقْتُلَه لَمْ أقْتُله، وخَلَّيْتُه (٢).

وقال الليثُ بنُ سعدٍ وطائفةٌ معه: لا يُسْتَتابُ مَن وُلِد في الإسلام ثم ارْتَدَّ، إذا شُهِدَ عليه، ولكنَّه يُقْتَلُ، تاب مَن ذلك أو لم يَتُبْ، إذا قامَتِ البَيِّنَةُ العادِلَةُ.

وقال الحَسَنُ: يُسْتَتابُ المرْتَدُّ مائةَ مَرَّةٍ. وقد رُوِي عنه أنَّه يُقْتَلُ دونَ اسْتِتابةٍ (٣).

وذكَرَ سُحْنُونُ: أنَّ عبدَ العزيزِ بنَ أبي سَلَمَةَ كان يقولُ: يُقْتَلُ المرْتَدُّ ولا يُسْتَتابُ. ويَحْتَجُّ بحديثِ معاذٍ مع أبي موسى الأشْعَرِيِّ (٤). وقد ذكَرناه في آخِرِ هذا البابِ.


(١) السِّيَر الصغير له، ص ١٩٧. وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٥٠١، والمبسوط للسرخسي ١٠/ ٩٨.
(٢) هذا في رواية بشر بن الوليد الكندي صاحب أبي يوسف عنه، فيما ذكر الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٥٠١، إلّا أنه ذكر في رواية سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف قوله: إذا زعم الزّنديق أنه قد تاب حَبسْتُه حتّى أعلمَ توبتَه.
(٣) تنظر جملة هذه الأقوال عن الليث وغيره في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٣/ ٥٠٢، والأوسط لابن المنذر ١٣/ ٤٦٠ - ٤٦٣، والمجموع شرح المهذّب للنووي ١٩/ ٢٢٩.
(٤) وكذا نقل عن عبد العزيز بن أبي سلمة ابن رشد في البيان والتحصيل ١٦/ ٣٧٩ وقال: على ظاهر قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن بدَّل دينه فاقتلوه". وهو الحديث الذي أشار إليه ابن عبد البرّ، وسيشرع في الحديث عليه في الآيّ من شرحه.

<<  <  ج: ص:  >  >>